كلمات | شوفو سوريا |
دراسات | رياضة |
فريـش | بزنس |
وجهات نظر | الموقف اليوم |
محليات | احوال البلد |
فن الممكن | عيادة زنوبيا |
افضح الفساد |
زنوبيا -لمى توفيق عباس
كأي مسافر يغادرنا خلسة دون وداع، لملمتْ أشياءها الصغيرة في جعبة من حلم ورحلتْ، ماذا نستطيع أن نسمّي الأشياء عندما تفتقد منطقها؟ والذكرى عندما تصبح وردة تذبحك عنوة من الوريد إلى الوريد؟ كيف نستطيع أن نعاتب الأغنية في غياب لحنها؟ والكلمات عندما تتحول إلى سكين؟ شآم، أيها الوطن، يا حضن أمي الكبير، أميرة اجتثت ضلوعي، وقاسيون لا يقبل التبرير.
كانت هناك تمشط شعري، ألملم الريحان في عزّ بوحه فأنسجه قصيدة عشق، كانت هناك وكم سرقتُ من ضيائها اللؤلؤ لأزين به جبين القمر، كانت هناك وكنت أنا وخمس كواكب نلتقي، جدران وأعمدة ومفاتيح، وخصلات تتراقص على كتف الزمن.
كانت هناك ، ومازلت أنا أعاتب الصمت فأحيله إلى صرخات، أسرار بحيرة تغفو في زمن الطفولة الأولى، وأشياء نهر أشبه بحكايا حملها من القمم البعيدة، وراح يترنح بها بين تلافيف الروح
أي أميرتي.. أين "الشاطر حسن وحب فرط الرمان"؟؟ أين عروسة الزعتر والسمن والسكر، أين دفتري، وسادتي، صدرك الذي كان بيتي ومقصدي، أين أنت؟!.
هل اعتقدت أننا كبرنا بما يكفي، لا.. وقسماً بك مازلنا أطفالاً نحبوا عند عتبة قدميك، أيتها المسافرة دوماً من السؤال إلى السؤال، نوح حمامة على نافذة أسري، وضوع صبا على شرفة حريتي، تمرين كالحلم، وتتهادين كأغنية من زمن المحبة، وتقربين كهدية من زمن الأحباب الذين ارتحلوا، يمر الصوت ويبقى الصدى وللصدى رجع لا يغيب، يتشظى إلى جزيئات تمتطي النسائم، تعبر الوديان، تحرك الأوراق وتجوب الكون.
هذا هو رجعك، هذا هو صداك، يلامسني فيعبرني، يحملني ويقطعني، أنتشي به.، أكبر وأصير نجمة، نجمة ولهى ترقبها عينا طفل، ويصير العمر غيمة تحمل معها مطراً آخر، وسفراً آخر، وصوباً آخر، كل شيء يذكرني بك، أهرب منك إليك، وكل حزن يعيدني إليك، ملأتني، ملأت هذي البئر العميقة من قاعها إلى السطح، ملأت العيون وكذلك اليوم بصبحه ومسائه، بدمعه وابتسامه، بحراكه وتعبه، ماذا فعلت حتى بدوت أكبر بعد هذا الغياب، ومن أي عين شربت حتى تقاسمتك الأوقات والورود والأغاني والذكريات، ألست بها كلها أصبحت، أماه؟!.
أحبابنا، أوطاننا، الوطن وإن بعدنا عنه أو بعد عنا لا يبيت ولا ينقضي، ولا يصبح قديماً، هو نضر دائماً، أخضر أبداً، حيّ، باقٍ، نعيش به وفيه ومعه، لأننا بدأنا من رحمه وإليه ننتهي، هناك مفاهيم كالحب، كالأمومة، كالأوطان، كالحريات لا تنقضي بالموت، إنها تتجدد معه، تزداد قوة.، تتكرس شكل حياة.
البعيدون قريبون أقرب مما نعتقد، من يسبق إلى الموت يسبق أبداً إلى الحقيقة، لأنه يعرف أكثر وأعمق ويرى الأبعد، الراحلون أكثر فهماً منا قد خبروا عالمنا وغاصوا في العالم الذي مازلنا نجهله ونخاف منه.
أصبحتُ اليوم على شهقات من عكازتي (تنكزني ) للقيام، ودموع تنهمر من ذاكرة أرواح وأشياء ترافقنا مع كل تفصيل من تفاصيل الحياة الصغيرة التي لا ترحمنا في كل خطوة وخلجة، ومنديل أمي الحريري الأبيض الذي استوطن رأسي منذ فترة , وكأنني في اعتماري إياه، قد ارتديت كل أمان الكون الذي افتقدته منذ بدء هذه الحرب اللعينة علينا، وأسمع صوتها الحنون يأتيني بين الحين والآخر، يزودني بتلك العزيمة والقوة، ما من مخلوق ومهما بلغت درجت قرابته أو حميميته يستطيع بكل إمكانياته أن يعوضك عن حضن الأم وحنانها، وأعود بذاكرتي إلى الوراء يوم رحيلها، تزيد روحي من استحضارها وأعلم كم أنا بأمس الحاجة إليها، وكم أفتقدها.
الرحمة لمن تركتهم بعدك أماه , يشقون في فراقهم لهم والإشتياق , أعلم أنك في مكان آخر تنظرين الآن وتبتسمين ابتسامة الرضا
ترجمت حبي وتقديسي لك باستمرار العمل على كل ماأحببتِ, جاهدتُ في أن أكون بارة بكِ وبكل وصاياكِ , عسى أن يكون هذا البر شفيعاً لي عند رب العالمين , وأقسم بروحك الطاهرة وحتى آخر شهقة سيبقى وجهك ورضاك منارتي ماحييت .....
جميع الحقوق محفوظة 2024 © موقع زنوبيا الإخباري
Powered by Ten-neT.biz An Internet Company