دراسات

"جبهة النصرة" والتشوهات الخلقية

العالم


كان واضحاً منذ اليوم الاول لظهور القاعدة في سوريا، ان هذا التنظيم الارهابي، كبر وترعرع في ظل رعاية المحور الامريكي، لعلاقة قديمة لهذا المحور مع القاعدة والتي تعود الى مرحلة الغزو السوفيتي لافغانستان، وازدادت هذه الرعاية، بعد فشل جميع التنظيمات والجماعات المسلحة، التي حاول هذا المحور تسويقها على انها معارضة "معتدلة"، في الاستمرار بالحياة، لسبب بسيط، وهو عدم وجود معارضة "معتدلة" في سوريا من الاساس. انتقال العلاقة بين القاعدة، والمعروفة في سوريا باسم "جبهة النصرة"، وبين المحور الامريكي الى العلن، وضع هذا المحور وخاصة راعيته امريكا، في وضع حرج امام "الشريك" الروسي، الذي كان يصر على ان تقدم امريكا لائحة باسماء الجماعات "المعتدلة" و"المتطرفة" الى روسيا، قبل اي تنسيق عسكري بين الجانبين. الاصرار الروسي على ان تقدم امريكا رؤيتها عن الجماعات "المتطرفة"، يستند الى حقيقة ثابتة وهي ان الامريكيين لن يقدموا على هذه الخطوة مطلقا، لانهم في حال وضعوا "القاعدة" في خانة الجماعات "المتطرفة"، عندها لن يبقى لامريكا ومحورها "مقاتلين" في سوريا سوى "داعش"، وينكشف بالتالي حجم التورط الامريكي امام العالم اجمع في الحرب المفروضة منذ اكثر من خمس سنوات على الشعب السوري. حاولت امريكا ومحورها في المنطقة ان تبدأ بعمليات تجميل للوجه القبيح والدموي ل"جبهة النصرة"، من اجل تسويقها ك"معارضة معتدلة"، وهي محاولة وان كانت وقحة وتعكس الكثير من الصلف والغطرسة والعنجهية لهذا المحور واستخفافه بعقول الشعوب، الا ان المحور بدأ بهذه المهمة عبر تحويل قناة "الجزيرة" القطرية الى منبر اعلامي ل"جبهة النصرة" التي اجرت اكثر من لقاء مع زعيمها الارهابي "ابو محمد الجولاني"، الذي كان يتكلم عن المستقبل "المشرق" الذي ينتظر سوريا تحت ظل الحكومة التي ينوي تاسيسها في سوريا، كما بثت تقارير عديدة اعدها "نجوم الجزيرة" امثال احمد منصور وغيره من المناطق التي تسيطر عليها القاعدة في سوريا، حيث يسود الامن والامان والعدل في ربوعها. امريكا ادركت ان هذه التغطية الاعلامية لم تتمكن من "شطب" مشاهد الدم والذبح والتنكيل بالضحايا، بل حتى اكل لحمها، من قبل "ثوار" "جبهة النصرة"، بالاضافة الى الخطاب الطائفي المقزز لقادتها، من عقل ووجدان الانسان السوري والعربي والمسلم، لذلك تم التوصل الى صيغة حل تم طبخها على نار هادئة، تتلخص في ان يخرج "امير القاعدة" في بلاد الشام ابو محمد الجولاني ليعلن عن انفكاك تنظيمه عن القاعدة، عندها فقط يمكن تسويق القاعدة على انها تنظيم "معتدل"، وهذا ما حصل بالفعل، وتولت قناة "الجزيرة" المهمة، حيث خرج الجولاني من على شاشتها ليعلن فك ارتباط تنظيمه بالقاعدة، وغير اسمه من "جبهة النصرة" الى "جبهة فتح الشام"، والملفت ان زعيم القاعدة في العالم "ايمن الظواهري" بارك هذا الانفكاك، لانه في خير ل"الثورة" و"الثوار" في سوريا. كان واضحا ان الامر لم يكن سوى مسرحية هزيلة لا تنطلي على احد، وبقي المحور الامريكي يصر على تجميل الوجه القبيح للقاعدة، لانه لا يملك غير "جيش القاعدة" في سوريا سلاحا يمكن ان يقف في وجه الجيش السوري، لذلك بدات تتوالى الاخبار وهي تتحدث عن المواقف "الانسانية" لمسلحي القاعدة (جبهة نصرة اهل الشام سابقا – جبهة فتح الشام لاحقا)، فعلى سبيل المثال كانت "داعش" تذبح الجندي اللبناني الاسير لديها، الا "جبهة النصرة" كانت تنفذ جريمة قتل الجندي اللبناني باطلاق النار على راسه، حتى وصلنا الى مرحلة الوساطات التي تقوم بها "القاعدة" من اجل اطلاق سراح "رهائن غربيين" لدى مجموعات "متطرفة في سوريا. اخر هذه الاعمال "الانسانية" للقاعدة في سوريا هي "تحريرها" يوم الاربعاء 28 ايلول / سبتمبر الحالي، للصحفية الألمانية يانينا فينديسن، من "قبضة مجموعة" مجهولة !!، حيث نشرت الجبهة بياناً خاصاً على موقعها على توتير، يقول: "منذ قرابة العام وبالتحديد في شهر تشرين الثاني 11/2015 انتشر خبر اختطاف الصحفية الألمانية يانينا فينديسن داخل الأراضي السورية وبعد توجيه الاتهام لنا أصدرنا بياناً يوم الثلاثاء الأول من كانون الأول 12-2015 نفينا الواقعة". مضيفة "وقبل شهر عرفنا من مصادر خاصة معرفة الجهة التي قامت بعملية الاختطاف وتبين أنها مجموعة صغيرة حيث تمت مداهمة السجن التابع لهم وتحرير الصحفية مع وليدها من بين أيديهم". نوه البيان "عُقدت محكمة شرعية وثبت أن الصحفية دخلت إلى المنطقة بعهد آمان من إمرأة ألمانية مسلمة تقيم هناك، فتم إطلاق سراحها الأربعاء، مع وليدها، فقد كانت حامل بوليدها الذي أنجبته في سجنها لدى الفصيل". مصادر مقربة من القاعدة أكدت أن مجموعة "أمنية" خاصة تابعة لجبهة النصرة، رافقت الصحفية الألمانية وسلمتها إلى معبر باب الهوى حيث استملتها السلطات التركية تمهيداً لعودتها إلى بلدها بعد غياب قارب على العام. هذه المسرحية اكثر سخفا من مسرحية فك ارتباط قاعدة سوريا عن القاعدة الام، فكل العارفين بقضية الرهينة الالمانية يعرفون انها كانت رهينة عند "النصرة"، وانها اختطفت في مناطق تسيطر عليها "النصرة"، لذلك تجنب بيانها اي اشارة الى اسم الفصيل الذي زعمت انه اختطف الرهينة الالمانية. لايمكن تحميل التسرع الامريكي فشل تسويق "جبهة النصرة"، كفصيل "معتدل"، فهذه مهمة مستحيلة، فالتشوهات الموجودة في "جبهة النصرة" هي خلقية، وهي ذات التشوهات الموجودة في "داعش"، وان امريكا اعجز من ان تُجمّل وجه التكفيريين، فهذه التشوهات ولدت معهم وستموت معهم.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=10266