دراسات

تعرّفوا على أحد أهم الأسرار الخفية للأزمة السوريّة

الأيام


بعيدا عن نظرية المؤامرة، ولأن الأزمة السورية لم تخلق من العدم، كان لا بد من العودة إلى الوراء قبل المضي قدماً، كي لا نعيد التأسيس على ثغرات الماضي، فنعود إلى حرب أخرى. لم تتمكن الخطط التنموية الموضوعة في السابق من النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي لسورية، وعلى الرغم من أن التخطيط كان يستغرق الكثير من الوقت، إلا أنه كان بعيدا عن الواقع، لأسباب عديدة منها أن واضعي الخطط كانوا يعتلون عروشا تمنعهم من النزول إلى أرض الواقع لرؤية مشكلاته الحقيقية ومعرفة حجمها الحقيقي. لم تتوان اختلالات التنمية في سورية عن المشاركة في حرب السنوات الثمانية السابقة، أو أن تكون سبباً جوهرياً من أسبابها، فظهر كل خطأ تم ارتكابه على هيئة ألم لن يزول إلا بمراجعة الحسابات التنموية مجدداً قبل المضي إلى الأمام. خلل جغرافي عندما كانت بعض المناطق في سورية تعيش الرخاء الخدماتي كانت تجهل محافظات أخرى معنى هذا الرخاء، وهنا يتحدث الأستاذ رفعت حجازي المستشار في هيئة التخطيط والتعاون الدولي عن الخلل بجغرافية التنمية في سورية ما قبل الحرب، قائلا: «إن الخلل أخذ أشكالا عديدة، مثل تمركز الاستثمارات والنشاطات الاقتصادية في بعض المناطق، خاصة على محور دمشق وحلب وريف دمشق وحمص»، وأشار حجازي إلى أن هناك الكثير من الاعتبارات التي يستند عليها المستثمر في اختيار مشاريعه، خاصة ما يتعلق منها بالبنى التحتية، وتحديدا النقل الذي كان يحتاج إلى ربط بري وسككي أكثر ملائمة، الأمر الذي منع جذب استثمارات فعلية إلى تلك المناطق تنمية بشرية مختلة لفت حجازي إلى أن «أحد أشكال الاختلال في جغرافية التنمية هو الخلل في التنمية البشرية، ففي عام 2011 كان معدل الأمية في سوريا بشكل وسطي 16%، وفي الوقت الذي كانت تحتفل به بعض المحافظات مثل السويداء وطرطوس بالقضاء على الأمية، كانت هناك مناطق أخرى تغرق في أميتها مثل الرقة، التي كانت نسبة الأمية في أوساط الذكور فيها 35%، وبين الإناث 70% في بعض القرى». وكشف حجازي عن تقرير لحالة السكان في عام 2010، تبين فيه أنه يوجد 4 محافظات سورية سوف تدخل بين عامي 2011 و2013 بنافذة ديموغرافية. وهو ما يعني أن هذه المناطق كانت تتمتع بمعدلات نمو سكاني بطيء جدا، الأمر الذي أدى إلى دخول نسبة كبيرة من السكان إلى فئة العمل، وهو ما يعطي فرصة لزيادة الإنتاج على حساب معدلات الإعالة والاستهلاك، ومن جانب آخر يوجد بعض من المحافظات من المتوقع أن تدخل في النافذة الديموغرافية بعد عام 2030 لأن معدلات النمو السكاني فيها مرتفعة. لم نكن نعرف من يطّلع على الخطة الخمسية العاشرة، يظهر لديه أن سورية مستقبلا لن تكون أقل ازدهاراً من أي دولة أخرى، وعلى الرغم من أن الكثيرين يقولون إنها الحرب، إلا أنه لا بد من القول «إنه قصور تتبع التنفيذ»، فقد كانت الإشكالية الأساسية قبل الأزمة أننا لم نعرف موضع الخلل، بحيث أننا لم نتمكن من الكشف عن مكامن الضعف بسبب عدم وجود نظام رصد وتقييم متطور، يتيح الحصول على مواضع الخلل في العمل والتنفيذ والتخطيط. وقد تحدثت عدد من المصادر المطلعة أن نظام العمل لم يكن يرصد إلا الإنفاق المادي، وأما باقي الأدوات فلم تكن تتيح القياس لربط النتائج بالتنفيذ والتخطيط. تشبيك فاشل على الرغم من أن السياسات الكلية تبنى عادة بوضع إطار عام مبني على السياسات القطاعية ومحددات لعملها، إلا أن التشبيك الذي كان حاصلا بين السياسات القطاعية والسياسات الكلية لم يكن على درجة كبيرة من التطور. فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من أن معدلات الفائدة في كل الدول هي أداة لتشجيع الادخار وتوجيه الاستثمار تجاه قطاعات معينة، إلا أن معدلات الفائدة للبنوك والمصارف لم تكن تبنى خلال الفترات السابقة على هذين المنظورين. وقد قدم حجازي مثالا على ذلك حول ضرورة تقديم معدلات فائدة أقل للمستثمرين في المناطق الشرقية، كي يتم تشجيعهم على العمل والاستثمار في تلك المناطق، الأمر الذي كان غير موجود، بالإضافة إلى ضرورة وجود قرارات مرحلية تهدف إلى تنشيط قطاع معين في فترة محددة. اقتصاد وهمي يقول أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق غسان إبراهيم أن تمركز بعض الصناعات في المدن الكبرى على حساب مناطق مهملة أخرى، أدى إلى خلق اختلالات اقتصادية بنيوية قبل الأزمة، وأضاف أن هذه الاختلالات قد تعمقت بشكل هائل وواضح في مرحلة الأزمة، وهو ما يعني أن العودة إلى مرحلة ما قبل الأزمة أصبح أمرا صعبا، ولذلك كان من الضروري إعادة النظر بالتفكير الاقتصادي وبالسياسات الاقتصادية التي كانت قبل الأزمة وخلالها. ومن ناحية ثانية، فقد قال أحد الاقتصاديين لـ «الأيام» أننا كنا ننادي دائما بضرورة تحقيق تنمية متوازنة، متخذين من تشجيع الاستثمار المتوازن بين المحافظات وسيلة لذلك، إلا أن النتيجة كانت دائما وجود معدلات استثمار مرتفعة في بعض المناطق على حساب مناطق أخرى، إلى أن جاءت الأزمة وعمقت هذه الاختلالات. لقد كانت معدلات نمو الاقتصاد السوري في فترة ما قبل الأزمة جيدة، وكانت تقدر بـ 4.5%، إلا أن هذه التنمية لم تأت من اقتصاد حقيقي، والدليل على ذلك أن معدلات نمو قطاع الزراعة والصناعة كانت أقل من معدلات نمو قطاع الخدمات خاصة المصارف والنقل. وفي الوقت الذي تم تأسيس قطاع مصرفي في سورية، لم يتمكن هذا القطاع من جلب أموال أجنبية، بل اكتفى بتحريك إيداعات السوريين، والسبب الرئيسي في ذلك هو الربط الضعيف بين السياسات القطاعية والسياسات الكلية. ربما لم يتلكأ البعض يوما عن مد الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية إلى بعض القرى النامية في المحافظات النائية، إلا أن تلك الجهات تناست ضرورة إيصال الثقافة، والانفتاح مع الشبكات الخدمية كي لا يتم الحصول على مجتمعات تأكل وتشرب ولكن لا تقرأ ولا تكتب، وهنا لا بد من القول، قبل المضي إلى الأمام ومتابعة الماضي بعثراته، من الأجدى النظر إلى الخلف ولو للحظات كي لا نعيش على الدمار مجددا.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=18443