وجهات نظر

لماذا اعتذر جون بايدن من أردوغان ..؟


محمودعبداللطيف
في تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن التي أثارت الجدل الكبير ضمن أروقة السياسة في الدول التي وجه إليها بايدن الاتهام بأنها تقف وراء تنامي قوة داعش و القاعدة في منطقة شرق المتوسط، وهي ذاتها الدول الحليفة لواشنطن في حربها على تنظيم داعش في سوريا و العراق، في هذه التصريحات، حاول بايدن الهروب ببلاده من مسؤولية الفشل بالقضاء على التنظيم الإرهابي من خلال العمليات الجوية التي تشنها قوات التحالف الأمريكي على مواقع التنظيم في سوريا و العراق، ممهداً لإدراة الرئيس باراك أوباما الطريق أمام طرح عملية برّية لقوات المارينز الأمريكي.

من جانبه رفض أردوغان أن يوضع و إدارته في وجه المدفع، خاصة و إن الوضع في بلاده على صفيح ساخن نتيجة تورطه بالعلاقة مع التنظيم من خلال شرعنته لتجارة النفط المسروق و بيع السلاح التركي إلى التنظيم و افتتاح معسكرات التدريب و مقرات التجنيد التي كشفت عنها النقاب الصحافة التركية حتى تلك المقربة منه، ولم تبتعد الصحافة العالمية عن كشف ملفات الإرتباط الوثيق بين تركيا و التنظيم الإرهابي الذي حرر في صفقة مشبوهة بعثة دبلوماسية لتركيا كان يحتجزها في الموصل، وتممد بشكل يخدم طموحات أردوغان بإنشاء سلطنة ينهي بها الملف الكردي الداخلي من خلال تصفية القوة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، ومع وجود تهديد واضح من زعيم الحزب الكردي عبد الله أوجلان، والذي تعتقله السلطات التركية بان عملية السلام التي تجري محادثاتها بين الحكومة التركية و حزب العمال الكردستاني ستنهار في حال سقوط مدينة عين عرب السورية، كل هذه الظروف تدفع الرئيس التركي إلى رفض الاتهام الأمريكي، و بالتالي لابد له من الحصول على صك براءة من الحكومة الأمريكية من هذه التهمة التي ما من شأنها إلا أن تزيد الطين بلة في تركيا، فكذب أول الأمر بسذاجة سياسية تصل حد جعله سخرية للسياسيين في بلاده و العالم، ومن ثم ساوم في الخفاء على ملفات أمريكية تكشف تورطها في دعم داعش بشكل مباشر، وهذا استنتاج يبنى على اعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بأن داعش صنيعة أمريكية بامتياز لتقسيم المنطقة.

عملية الدعم الأمريكية لداعش لابد لها من أن تتم داخل الاراضي التركية من خلال فرق عسكرية و استخبارية ترسلها واشنطن لهذا الغرض، و لأن التنظيم في أول أمره اجتاح مدينة الرقة السورية من خلال الحدود التركية بهجوم كبير سمحت به قوات حرس الحدود التركي بعبور نحو 1500 سيارة محملة بمقاتلين و موزودة برشاشات ثقيلة، فإن مثل هذا الهجوم كانت أصابع المخابرات الامريكية واضحة فيه، إذا أن اختيار مدينة لم تكن تشهد أي حراك مسلح أو غيره، و تعتبر خاصرة رخوة في الحدود السورية التركية، لم يكن ليأتي اعتباطياً، و على ذلك فمن الأكيد أن ثمة ما لدى أردوغان ليهدد به واشنطن ليكسب الاعتذار، الذي يصوره كرئيس قوي وحليف استراتيجي تبحث واشنطن عن رضاه.

بالعودة لاعتذار بايدن ففي حسابات السياسة المعقدة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية فإن الرسالة وصلت إلى الرأي العام في أمريكا، بأن واشنطن بريئة من الدم الذي سفك على يد التنظيم في سوريا و العراق، وإن فشل العمليات الجوية ضد لا يعود سببه لضعف المقدرة بل إلى الحاجة إلى عملية برّية للقضاء على التنظيم، وعليه فإن التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة قائم على قدم وساق، و يضاف إلى ذلك فإن أمريكا أوصلت رسالة أخرى إلى المجتمع الدولي مفادها إن الإدارة الأمريكية ما زالت قادرة على التحكم بملف داعش وفق ما تشتهي للحفاظ على مصالحها في المنطقة، و بأن أوراقها القوية قابلة للحرق في أي لحظة، ولا حليف لأمريكا إلا من يخدم هذه المصالح.

وهنا يتلقف زعماء الكيانات الخليجية مثل هذه الرسائل بسرعة، فيذهبون نحو تقديم الولاء الأكبر لواشنطن لإدراكهم أن رياح ما يعرف بـ الربيع العربي، هي رياح أمريكية الهوى، إسرائيلية الخدمات، ففي نهاية المطاف تصب كل الأنشطة الأمريكية في المنطقة في صالح تقسيمها لخلق المناخ الطائفي الضروري لخلق طبيعية وجود إسرائيل على خارطة الشرق الأوسط في صورتها الكبرى التي تريدها أمريكا، من خلال رسم خارطة لجملة من الدول المبنية على أسس دينية و طائفية و عرقية، مع التذكير هنا بأن جون بايدن هو نفسه من طرح فكرة تقسيم العراق إلى كيانات طائفية بحجة إنهاء الاقتتال الطائفي، الذي نشرته أمريكا في البلاد.

و على ما تقدم لن يؤثر اعتذار بايدن من أردوغان ولن يؤخر في مصداقية حراكها ضد داعش غير الموجودة أصلاً، فتركيا واحدة من الدول المهمة لأمريكا لضمان استمرارية فوضى المنطقة وصولاً إلى تحقيق مشروعها المعروف بالشرق الأوسط الأكبر، ولا يستغرب القول أن اعتذار بايدن كان محضراً من قبل اطلاقه هذه التصريحات.
عربي برس

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=1979