دراسات

تيري ميسان: هكذا أدارت الاستخبارات البريطانية المتمردين في سوريا

وكالة اوقات الشام


تثبت الوثائق البريطانية التي كشف عنها إيان كوبين على التوالي في صحيفتي «الغارديان» و«الشرق الأوسط»، نوايا المملكة المتحدة في سورية. البريطانيون كالفرنسيين، كانوا يعتزمون استعادة نفوذهم الاستعماري في المنطقة، وكانت تلك غايتهم الوحيدة من «الربيع العربي»، الذي صممه جهاز المخابرات البريطانية «ام اي6» وفق نموذج «الثورة العربية الكبرى» التي صممها لورانس العرب آنذاك، مع اختلاف بسيط هذه المرة تمخض عن إنشاء حكومات تابعة لهم، يقودها الإخوان المسلمون، وليس الوهابيين. وضع جهاز المخابرات البريطانية، مخترع البروباغندا الحديثة في عام 1914، كل ثقله في سورية منذ بدء عملية «الربيع العربي»، واستثمر طاقته على نحو أكبر عندما حظر مجلس العموم البريطاني اللجوء إلى القوة العسكرية فيها. كانت «وحدة البحوث والمعلومات والاتصالات»، تابعة لوزارة الخارجية، فقام بإنشاء العديد من الشركات الخاصة التي يديرها ضباط من الجهاز نفسه، وراح يستعين بها في برامجه، وبهذه الطريقة صار بوسع لندن إنكار أي نشاط يتم الكشف عنه لاحقاً في سورية. وتأسيساً على ذلك، افتتحت بعض تلك الشركات المحدثة مكاتب دائمة لها في كل من اسطنبول، والريحانية، الحدودية مع سورية، وعمَان وشرعوا على الفور بتجنيد ماسمي بـ«الصحفيين المواطنين» في سورية وراحوا يغدقون عليهم ما بين 50 إلى 200 دولار لكل مقطع فيديو، وكانوا يدفعون من 250 إلى 500 دولار لقاء مقالات مرسلة بانتظام من سورية. كانت تقوم تلك المكاتب بفرز تلك المواد وتنسيقها ومن ثم إرسالها إلى محطة «بي بي سي»، و«سكاي نيوز عربية»، وقناتي «الجزيرة» و«العربية»، وهي محطات تلفزة تنسق منذ وقت طويل مع حلف الناتو، وهكذا تم بناء خرافة «الثورة السورية» ضد «الديكتاتورية»! في البداية، لم يكن «الصحفيون المواطنون» يعرفون أن الشركات التي يعملون معها هي مجرد واجهة لجهاز المخابرات البريطانية وكان الكثير منهم يعتقدون أنهم يعملون مع وكالات أنباء أجنبية كبرى، قدمت لهم فرص عمل مجزية، فكانوا يقدمون مواد صحفية تلبي معايير الصحافة الغربية حسب اعتقادهم، ولم يكونوا على دراية بأنهم يخونون بلدهم. كانت المعلومات و«الأدلة» التي يجمعها أولئك «الصحفيون» تخضع أولاً لإشراف أحد علماء الأنتروبولوجيا في «وحدة البحوث والمعلومات والاتصالات» المشار إليها آنفاً. وتتمة لتصوّر فكرة «الربيع العربي»، كان عالم الأنتروبولوجيا يحث على إنتاج مواد صحفية تمجد الهوية السورية، وتشوه سمعة «المتطرفين المناهضين للإمبريالية»، أي القوميين العرب البعثيين وحلفائهم، المتهمين «بقتل شعبهم». بموازاة ذلك، كان يحث أيضاً هذه المحطات التلفزيونية الأربع على تمجيد «أعداء الإمبريالية المعتدلين»، أي جماعة الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، كان يشرف أيضاً على إنشاء عدة تنظيمات منها، «الشرطة الحرة» و«الخوذ البيضاء»، التي يقودها أيضاً ضباط سابقون في جهاز المخابرات البريطانية، وذلك من أجل طمأنة السوريين حول طبيعة النظام المقبل في بلادهم. تم تخصيص موازنة شهرية لهذا البرنامج تقدر بحوالي نصف مليون جنيه استرليني، تدفع الجزء الأكبر منها وزارة الدفاع البريطانية، والباقي تساهم به بعض الوكالات الحكومية الكندية والأميركية، على الأقل فيما يخص «الشرطة الحرة»، و«الخوذ البيضاء». لم تكن لندن على يقين، أو لم تدرك تماماً، أن واشنطن توقفت منذ هجمات 11 أيلول 2001 عن اتباع الإستراتيجية التقليدية المتمثلة في الإطاحة بالنظم التقدمية المستقلة، والاستعاضة عنها بدمى خاضعة للغرب. لهذا، أصيبت بالذهول حين علمت أن البنتاغون كان ينوي، وفقاً لخريطة الشرق الأوسط الجديد، المنشورة في عام 2006، إنشاء كيانين جديدين في المنطقة، « دويلة سنية» وأخرى «كردية»، ومن ثم نسف الحدود في المنطقة، الواحدة تلو الأخرى، باستثناء إسرائيل والأردن بطبيعة الحال. هذه المرة، الولايات المتحدة هي التي تلاعبت ببريطانيا، لتقوم الأخيرة بالتلاعب ببعض السوريين. لهذا، انسحبوا من المشهد بهدوء، وأصبح ضابط المخابرات، جوناثان ألين، الرجل الثاني في الوفد البريطاني الدائم في مجلس الأمن، حيث يقضي جل وقته في الدفاع عما تبقى من «الشرطة الحرة» و«الخوذ البيضاء» في سورية.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=24787