وجهات نظر

عودة العلاقات السعودية السورية حتميّة

لعبة الامم


شهد عهد الرئيس بشار الأسد في أعوامه الاولى انفتاحا سعوديا على سوريا خاصة بعد تأيدها المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية في القمة العربية في بيروت عام 2002، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً دون توترات، يعود ذلك الى طبيعة وحجم الأحداث والتطورات التي حصلت في تلك الفترة مما وضع العلاقات أمام تحدٍ لم تعرفه من قبل، من الاحتلال الأميركي للعراق والحرب على الإرهاب، والانقسامات الفلسطينية إلى الحرب الاسرائيلية على لبنان 2006، كلها أحداث كان من الصعب أمامها تفادي الانقسام في الرؤية وافتراق في المصلحة بين البلدين [1]، كذلك شكل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والخروج السوري من لبنان عام 2005 عاملاً إضافياً لمزيد من الاختلاف بينهما، وخاصة بعد وقوف السعودية الى جانب إنشاء المحكمة الدولية للنظر في الاغتيال، فاختلف موقفها مع الموقف السوري والتي كانت أصابع الاتهام حينها تشير الى تورط الأجهزة الأمنية والمخابراتية السورية في عملية الاغتيال، لتبدأ منذ تلك المرحلة سلسلة من الخلافات بين البلدين توّجت بأحداث الربيع العربي والتي ارتدت رداءً مذهبياً في سوريا نتيجة الواقع المجتمعي السوري الذي يشكل التنوع المذهبي سمته الاساسية[2] . مع اندلاع أحداث الربيع العربي، عارضت السعودية تغيير الأنظمة الحاكمة بالثورات، هذا الموقف وصل لحد التدخل المباشر من خلال المشاركة في قوات درع الجزيرة لإنهاء الاحتجاجات في البحرين، أما في سوريا فقد اكتفت بدايةً بالدعوة للحوار والسعي لإيجاد حل للخروج من الأزمة من خلال تقديم المشورة للرئيس الاسد، من أجل ايجاد حلّ سلمي والخروج من الأزمة، تجلى ذلك من خلال اتصال بينه وبين الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز في أذار 2011، بعد ذلك وجه الملك السعودي رسالة الى الشعب السوري في 7 آب أكد فيها أن المملكة لا تقبل ما يحدث في سوريا، وطالب القيادة السورية بإجراء إصلاحات شاملة وسريعة، ودعا إلى إيقاف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل، واستدعى سفير بلاده في دمشق للتشاور. قامت المملكة بدعم الجهود العربية لحل الأزمة، فارسلت مراقبين الى دمشق في إطار مبادرة الجامعة العربية للحل، لتعود وتسحب بعثتها من لجنة المراقبين في كانون الثاني 2012، ثم قامت بإغلاق سفارتها في دمشق في شهر شباط وطردت السفير السوري وقطعت العلاقات، ليعلن بعد ذلك وزير الخارجية سعود الفيصل أن بلاده لن تكون شاهد زور أو أن تُستخدم لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وليدعُ على هامش المنتدى الأميركي في 30 أذار 2012 إلى تسليح المعارضة، لتبدأ بذلك مرحلة دعم المعارضة السورية والعمل على تنظيمها وتوازن القيادة فيها من خلال مجموعة متنوعة من الوسطاء الإقليمين، فعملت على تهميش الفصائل المرتبطة بتنظيم القاعدة وتخفيف الاقتتال بين حلفائها، وتحسين أدائها من خلال التدريب وشحن الأسلحة، وأنشئت لهذه الغاية غرفة عمليات سعودية قطرية تركية مشتركة في اسطنبول، ونقلت الأموال إلى المعارضة، وغالباً ما يصعب تمييز دعم الرياض وسط مجموعة هائلة من الفصائل على الارض نظراً إلى الطبيعة المتغيرة لتلك المساعدات وغموض السياسة الخارجية السعودية [3]. كما عملت المملكة على استضافة مؤتمرات لأطياف المعارضة، مثل مؤتمر الرياض 1 والرياض 2، وشاركت في معظم المؤتمرات الدولية التي اقيمت لحل الأزمة بأعتبارها دولة فاعلة ومن الاطراف الاساسية المعنية بها، إضاقة الى الأهمية والدور التي تلعبه في المنطقة. اسقاط الأسد اسقاط إيران وجدت السعودية في أحداث سوريا فرصة لتصحيح موازين القوى لصالحها، فرأت أن اسقاط النظام السوري يشكل اسقاطاً للنفوذ الإيراني في المنطقة، ومحاولات إيران التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وإنشاء نظام بديل يكون قريباً منها ويشكل حليفاً استراتيجياً لها، فدعت الى استخدام القوة للاطاحة به، إما عبر تسليح المعارضة أو عبر تدخل عسكري إقليمي أو دولي[4] . فكان انخراطها ينضوي على رهانات كبرى لمكانتها الاقليمية وأمنها الداخلي، فالساحة السورية هي إحدى ساحات الصراع بين الاستراتيجية السعودية والمشروع الإيراني في المنطقة، القائم بين الطرفين في عدة أماكن يوجد لديهما نفوذ فيها مثل سوريا ولبنان واليمن. لعبت المملكة دوراً مهماً منذ بداية الأزمة، لكن مع الوقت وتطور الأحداث تحول الاندفاع السعودي تجاه الأزمة الى حالة من اللامبالاة، ظهر ذلك من خلال تخفيف الدعم للفصائل المعارضة، بسبب عدم وجود قيادة موحدة لها إضافة الى الخلافات بين أطرافها، كذلك فإن تغير اللهجة تجاه النظام السوري والتسريبات التي تخرج الى العلن كل فترة عن لقاءات بين مسؤولين سعوديين وسوريين، دليل واضح على التحول في الموقف السعودي تجاه الأزمة والنظام السوري. التحوّل في الموقف يأتي التقارب والانفراج في العلاقات السعودية السورية، بعد سنوات من القطيعة، ضمن مسار طويل نسبياً من التواصل، بدأ منذ 2015 حيث جرت لقاءات بين الطرفين بمباركة روسية وبترتيب من الرئيس فلاديمير بوتين التي تجمعه علاقات مميزة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبالرئيس الاسد، حسب ما نقلت صحيفة “صاندي تايمز” البريطانية عن زيارة قام بها مدير المخابرات السورية آنذاك اللواء علي مملوك إلى الرياض في تموز 2015، والتقى خلالها ولي العهد، فاعتبر ذلك كسراً للجمود الحاصل بين الطرفين منذ بداية الأزمة، لتتوالى بعد ذلك التسريبات التي تحدثت عن زيارات ولقاءات من هذا القبيل. وليبدأ معها التحول التدريجي في الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية، ساعد على ذلك انشغال السعودية بحرب اليمن التي دخلتها بداية 2015، مما جعلها تركز اهتمامها على الملف اليمني لما يشكله من تأثير كبير على أمنها القومي. المملكة التي كانت في مقدمة الرافضين لبقاء النظام السوري، ورأت في إسقاطه إسقاطاً للنفوذ الإيراني، وبأن رحيل الاسد أمر ضروري وحتمي لمستقبل سوريا، وقامت لأجل ذلك باستخدام العديد من الوسائل. تحولت من داعم غير محدود لفصائل المعارضة منذ 2012 وحتى نهاية 2016، الى مانع للدعم في 2017 وهو العام الذي حمل الكثير من المفاجآت للثورة السورية حيث تفكك الحلف الذي دعم الثورة المكون من السعودية وقطر وتركيا، وتفككت الرؤية السعودية لخريطة المنطقة التي كانت تدعم الثورة السورية وترى وجوب رحيل الاسد لإخراج سورية من الهيمنة الإيرانية وقطع الطريق أمام الهلال الشيعي وتكوين رؤية آخرى ترى الحرب على الإرهاب هي الاولوية الأولى كرؤية جديدة للمنطقة بأكملها [5]، كما بدأت تظهر ملامح تغيير في اللهجة السعودية حول الرئيس الاسد ومصيره، بعد تسريبات تحدثت عن طلب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال اجتماعه مع وفد معارض في شهر آب من العام نفسه، الى التنازل عن الثوابت الاساسية المتعلقة بضرورة رحيل الاسد قبل أي عملية انتقالية، وهذا ما بدا عكس النبرة الحادة التي تحدثت بها الرياض مراراً وتكراراً بأنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا [6]. شكلت ايضاً الأزمة التي وقعت بين قطر والدول المقاطعة لها (السعودية-الامارات-البحرين-ومصر) في حزيران 2017 تأثيراً مهماً، فبعدها بدأ الموقف الخليجي عموماً يتغير تجاه سوريا، ففي تصريح لوزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، أعلن فيه أن بلاده والسعودية دعمتا المعارضة السورية، إلا أنهما بعد الأزمة الخليجية غيرتا موقفيهما من الأزمة السورية بسبب تضارب المصالح بينهما في سوريا. أما اكثر المواقف وضوحاً حول تغير الموقف الخليجي، فهو إعادة إفتتاح السفارتين البحرية والإماراتية في دمشق في كانون الأول 2018 [7]. فهذه الخطوة تعتبر نقطة تحول حقيقية في مسار الأزمة السورية، ويمكن اعتبارها ايضاً نقطة مهمة في مسار إعادة العلاقات السعودية السورية، من خلال العلاقة المميزة بين السعودية والبحرين والإمارات والتنسيق والتفاهم بين هذه الدول حول العديد من الملفات في المنطقة ومنها الملف السوري. وكان ملفتاً ايضاً اتصال ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري في 27 أذار 2020، حيث بحثا في تداعيات أزمة فيروس كورونا، فأكد بن زايد دعم الإمارات لسوريا في هذه الظروف الاستثنائية، مما اعتبر مؤشراً إيجابياً وتبدّل واضح في الموقف الخليجي تجاه النظام السوري. هذه اللهجة الخليجية الإيجابية تجاه سوريا، ظهرت كذلك في عدة تصريحات لمسؤولين خليجيين، ففي 9 اذار2021 أكد الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على ضرورة التعاون الإقليمي لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها، قائلاً إن هذا الأمرلا بد منه. كما أكد وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان في 10 أذار خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي أيضاً، أن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، معتبراً أن “هذا البلد في حاجة إلى العودة لحضنه العربي والتمتع بالاستقرار والأمن”. كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد كشفت في 4 أيار 2021 أن وفداً سعودياً برئاسة رئيس جهاز المخابرات الفريق خالد الحميدان زار دمشق، والتقى الرئيس بشارالاسد ونائبه للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك، كما نقلت صحيفة “رأي اليوم” عن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في دمشق، التأكيد على حصول الزيارة، وأنه جرى الاتفاق على أن يعود الوفد في زيارة مطولة، وأن هناك اتفاقاً جرى التوصل إليه بإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في المجالات كافة بين البلدين. تؤكد هذه التصريحات والتسريبات عن اللقاءات أن ما نشهده من تقارب سعودي سوري ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة لمسار بدأ برعاية وجهود روسية، واحتاج الى عدة سنوات لكي ينضج، مستفيداً في هذا التوقيت من التغيرات الحاصلة على المستوى الدولي والاقليمي، إن كان على صعيد المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران والاتجاه نحو العودة للاتفاق النووي معها، أو على صعيد العلاقات السعودية الإيرانية من خلال الجو الايجابي السائد هذه الفترة بين الدولتين خاصة بعد تصريحات ولي العهد السعودي عن إيران في 27 نيسان، والتي أكد فيها حرص بلاده على إقامة علاقات طيبة ومميزة معها، إضافة إلى تداول أخبارعن لقاءات حصلت بين إيران والسعودية في بغداد مؤخراً، وهو ما أكده الرئيس العراقي برهم صالح في مقابلة صحافية في 5 أيار 2021. الخاتمة: إن عودة العلاقات بين السعودية وسوريا سيؤدي الى العديد من الانعكاسات والنتائج نظراً للاهمية والمكانة التي يشغلها كل منهما على الصعيد العربي والاقليمي. أول هذه النتائج كما أصبح معلوماً، سيكون عودة سوريا الى شغل مقعدها في الجامعة العربية وبالتالي عودتها الى الحضن العربي، كما ستلقي عودة العلاقات بظلالها على العديد من الملفات في المنطقة، فربما نشهد مع عودتها تفاهما سعوديا سوريا حول بعض هذه الملفات قد يكون الملف اللبناني أحدها، وبالتأكيد سيكون هناك انعكاس ايضاً على الأزمة السورية وقد يشكل ذلك دافعاً نحو تسريع إمكانية الوصول الى حل لها أكثر من أي وقت مضى. فالاكيد أن الوضع في سوريا وفي المنطقة عموماً سيكون مختلف كلياً بعد عودة العلاقات عما كان قبله.
Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=29407