وجهات نظر |
كتب الاستاذ خالد العبود : قرارات الغفلة ورواية الحكومة |
الاستاذ خالد العبود_ الصفحة الشخصية
|
|
|
|
-إنّ ما تفعله وتقوم به، بعض المؤسسات والوزارات الحكوميّة، في بعض الأحيان، لا يبتعد كثيراً عن أهداف العدوان الذي يستهدف السّوريّين، هذا إذا لم يكن أكثر خطورة على علاقة الدولة بمكوّنها الأساس، ونعني به المجتمع..
-كون أنّ الآلية التي تنفّذ بها الحكومة استراتيجيّة الدولة، في ملف تأمين حاجات المواطنين وحمايتها، هي آلية خطيرة، لا ترتقي لمستوى الميثاقيّة الدّستوريّة التي تربط الدولة بمواطنيها..
-نحن ندرك أنّ الدولة لديها استراتيجيّة مواجهة اقتصاديّة، وندرك أكثر أنّها تخوض معركتها في مواجهة عدوان اقتصاديّ كبيرٍ جدّاً، وهو عدوان لا يختلف، ولا يبتعد، عمّا تعرضنا له سياسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً، وحتى روحيّاً!!..
-وندرك أيضاً بأنّنا سوف نهزم هذا العدوان المركّب، وتحديداً في مستواه الاقتصاديّ، تماماً مثلما هزمناه جميعاً، في عناوينه ومستوياته الأخرى..
-لكنّ جزء هامّاً من آلية تنفيذ استراتيجيّة الدولة، في الدفاع عن مصالح المواطنين وحمايتها، من قبل بعض المؤسّسات الحكوميّة، سوف تؤدّي إلى خسائر هامّة بالنسبة للدولة وبالنسبة لمواطنيها، وذلك في عناوين محدّدة وخطيرة، لها علاقة بجوهر علاقة المجتمع بدولته..
-صحيحٌ أنّه في جوهر علاقة الوعي الجمعيّ للمجتمع بدولته، يتعامل المجتمع مع دولته باعتبارها سلطة، لكنّها "سلطة أبوية"، تُعاقب وترعى وتحمي، والمجتمع هنا يجب أن يبقى محكوماً بهذه المعادلة، وهذه العلاقة..
-وأيّ إساءةٍ لهذه العلاقة، من جهة الحكومة، فإنّ النظام العام لهذه العلاقة يصبح نظاماً خارج سياقات مفهوم علاقة المجتمع بدولته، وهو خطيرٌ جدّاً، على الدولة والمجتمع في آن واحد، وقد لا تظهر هذه الخطورة في لحظتها، نتيجة الظروف الآنية التي يمرّ بها المجتمع والدولة، ولكنّها سوف تظهر لاحقاً لا محالة..
-لهذا فإنّ جوهر علاقة وتواصل الدولة بمجتمعها، لا تقوم على البيانات والقرارات والتعليمات الجافة والمباشرة، كون أنّ المجتمع ليس معنياً فقط بمصالح الدولة وحاجاتها، وإنّما هو معنيٌّ بالدولة باعتبارها حاجته، وهي من تقوم بتأمين ورعاية حاجاته ومصالحه..
-إنّ الآليّة التي تمّ من خلالها، رفع أسعار المحروقات خلال اليومين الماضيين، إضافة لجملة القرارات الأخرى التي تُفاجئ بها الحكومة مواطنيها، وهي قرارات تتعلّق بتفاصيل وتكاليف حياة السوريّين، إنّما هي آليّة مكلفة وطنيّاً، ومكلفة سياسيّاً، وستكون نتائجها سيئة، على علاقة المواطن بالدولة، وبالتالي على علاقة المواطن بمواطنيّته، وهنا نتحدّث عن الآلية، ولم نتطرّق بعد لجوهر هذه القرارات..
-يجب على المؤسّسات المسؤولة، وهي المؤسّسات المسؤولة عن تشكيل الرأي العام وقيادته، باعتبارها هي أدوات التواصل بين الدولة ومجتمعها، والتي تحافظ على مكانة وموقع الدولة من مجتمعها، أن تكون حاضرة في مثل هكذا قرارات عنيفة، باعتبارها المسؤولة عن ترتيب شكل العلاقة بين الحكومة ومواطني الدولة..
-قرارات الغفلة تلك، وبدون مقدّمات، أو بدون تحضير المجتمع لها، هي أدوات تواصل تسيء جدّاً للعلاقة بين الدولة ومجتمعها، ولا يشفع لها ظهور المسؤولين عنها فقط، كون أنّ المجتمع في تلك اللحظة، يكون محكوماً بتعرّض مصالحه للخطر، دون فهمٍ كاملٍ لجوهر علاقة تلك القرارات، بواقع وظروف الدولة والمجتمع..
-لهذا فإنّ المؤسّسات المسؤولة عن ترتيب ورعاية علاقة الدولة بمجتمعها، يجب أن تمهّد للجمهور لمثّل هذه القرارات، وأن تكون رافعة إيجابيّة لها، طالما هي قراراتٌ تتعلّق بجوهر الدولة وبقائها، وليست هي قرارات وزاريّة يمكن أن تلعب هذه المؤسّسات دوراً آخر في تصويبها وتوجيهها..
-إنّ المؤسّسات المسؤولة عن تشكيل الرأي العام للجمهور، من إعلام وثقافة وتربية، عليها أن تفرّق بين قرارات استراتيجيّة حكوميّة، تمثّل توجّه الدولة وموقفها، وبين قرارات ليست كذلك، كي تستطيع القيام بالدور المناسب والصحيح، والذي يخدم أخيراً الدولة والمجتمع معاً..
-ممنوعٌ على هذه المؤسّسات أن تُصاب بالدوار في مثل هذه اللحظات، وممنوعٌ عليها أن تخضع لأمزجة أفرادٍ فيها، أو لمواقف فرديّة كيديّة، من بعض المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المسؤولة بشكل مباشرٍ، عن مثل هذه القرارات!!..
-ومطلوبٌ من تلك المؤسّسات المسؤولة عن مثل هذه القرارات، وتحديداً تلك القرارات التي تتعلّق بتوجّه الدولة وموقفها، أن تتواصل مع المؤسّسات المسؤولة عن تشكيل الرأي العام وقيادته، ووضعها بصورة تلك القرارات، وإيجاد الطريقة المناسبة لوصولها إلى المواطنين المعنيين بها..
-إنّ آلية التواصل مع الجمهور، في إيصال مثل هذه القرارات الهامّة، ليست مسؤولية المؤسّسات التي تصدرها، فهناك فرقٌ جوهريٌّ بين مسؤوليّة إصدار هذه القرارات ، وبين مسؤوليّة إيصالها للجمهور، وهي مسؤوليات واضحة وجليّة، في جوهر الدستور والقانون..
-كما أنّ مهمة المؤسّسات الإعلاميّة وغيرها، المسؤولة عن إيصال هذه القرارات إلى جمهورها، ليست مهمّة محصورةً فقط بعملية الإبلاغ التي يتخيّلها البعض، وإنّما هو دورٌ مركّب وواسع، تلعب به هذه المؤسسات دوراً أوسع من ذلك بكثير، من خلال إشراكها حقيقة بتفاصيل حاجة الدولة وأولوياتها، واعتبارها الجزء الرئيس في استراتيجيّة تواصل الدولة مع مجتمعها..
-إنّ مهمة إشراك المجتمع، ببعض تفاصيل مطبخ إدارة الدولة، والطريقة التي تفكّر بها الدولة، وعناصر القوّة التي تمتلكها الدولة، وحرص الدولة الشديد على المجتمع وحاجاته ومصالحه، هذه كلّها أساسيّة في الحفاظ على علاقة الدولة بمجتمعها، من جهة، ومن جهة أخرى، في تمسّك المجتمع بدولته والدفاع عنها، ليس باعتبارها سلطة، يحدّد موقفه منها، بعده أو قربه منها، وإنّما باعتبارها الدولة الحاجة والضامن والجامع..
-على هذه المؤسسات أن تدير علاقاتها مع جمهورها بطريقة أخرى، بحيث تشترك معه بجوهر حاجاته وحماية مصالحه، ثم تشاركه حرصها على هذه الحاجات وتلك المصالح، وتضع أمام يديه إمكانيات الدولة التي تضرّرت، وترفعه إلى مستوى تتقاسم معه فيه، سيناريوهات الدفاع عن هذه الإمكانيات وحمايتها..
-وعلى هذه المؤسسات، أن توصل لجمهورها حرص الدولة على هذا الجمهور، بتقاسمها معه لأوجاعه وآلامه، وتقاسمها معه لمجمل أفكاره، حين تمنحه جزء من تفاصيل استراتيجيّة المواجهة، في الدفاع عن مصالحه، وحرصها على أساسيّات معيشته، في ظلّ تصديرها له بعض الخطوات التي تقوم بها الدولة، في مواجهة ما تعرّضت وتتعرّض له!!..
-شاركوا الناس أوجاع الدولة وآلامها، وشاركوهم إنجازاتها أيضاً، في مواجهة التضخّم الكبير الذي عانينا ونعاني منه، وفي مواجهة دفاعها عن خارطة المال الوطنيّ، والتي مزّقتها الحرب، وفي مواجهتها لتراجع قيمة الليرة، التي تعرّضت لأعتى عدوان في التاريخ، وتأمينها للعملة الصعبة، في ظلّ القضاء على كلّ مصادر الإنتاج والاستثمار التي كانت تستفيد منها الدولة، وبعض ما تفعله في مواجهة الحصار المالي الكبير، ومحاولات شلّ حركتها النقديّة، وتجميد حركة الأموال السوريّة..
-لا تكفي البيانات ولا البلاغات، ولا يكفي التعويل على فطنة الجمهور، أو على معيار وطنيّته، في مثل هذه القضايا والمسائل، وبخاصّةٍ أنّ ما يتعرّض له، ومنذ أكثر عقدٍ من الزمن، فاق ويفوق كلّ الحسابات والتهيؤات والتخيّلات!!..
-معيبٌ جدّاً بحقّنا جميعاً، نقول بحقّنا جميعاً، أفراداً ومؤسّساتٍ، أن يتلقى المواطنون، هكذا قراراتٍ، لها علاقة بتفاصيل وتكاليف معيشتهم، كما يتلقّون أخبار الطقس ودرجات الحرارة، أو كما يتلقّون أخبار مواعيد تقديم السّاعة أو تأخيرها!!..
|
Copyrights © Znobia.com |
المصدر:
http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=32966 |
|