دراسات

سجن حلب المركزي.. قصة بطولة وصمود


شهادات ولادة جديدة عاد بها أبطال الجيش العربي السوري وقوى الأمن الداخلي ممن حملوا لواء الدفاع عن حلب فواجهوا وحوش الإرهاب الذين اعتدوا على سجن حلب المركزي وحاصروه مدعومين بسلاح الغرب وعملائه .. إجرام ماكان ليقف في وجه أبطال الجيش الذين هبوا لنجدة رفاقهم فسحقوا دعاة القتل والذبح ليخرج حماة سجن حلب الأبطال ويرووا قصص صمودهم التي ستتناقلها الأجيال القادمة.

الشهداء الذين كانوا خلف هذا الصمود هم أصل الحكاية وإليهم ينتهي كل مجد يحرزه الجيش العربي السوري فدماؤهم كانت نبراس العطاء الذي حث رفاقهم الأحياء على التضحية والاستبسال التي يروي أسرارها أحد الضباط القادة لحامية سجن حلب المركزي فيقول: "إن الشهداء الذين ارتقوا استبسلوا وقدموا أرواحهم في سبيل حماية السجن وضمان استمرار حياة زملائهم ليتمكنوا من إكمال مسيرة الدفاع عن القضية التي آمنوا بها جميعا وهي حب الوطن وطرد الإرهاب من كل شبر فيه ".

ويضيف شارحا قصة هذا الصمود "اندفع عدد من المساجين ممن أخلي سبيلهم للمساهمة في الدفاع عن السجن واستشهد بعضهم وشكل هذا الاندفاع والتكاتف والحماس والتعاضد بين أفراد الحامية عاملا كبيرا في الصمود والتصدي".

ويشير الضابط إلى " الآلام المضنية التي تحملها الجرحى بسبب النقص الكبير في الأدوية والأطباء الاختصاصيين وأدوات الجراحة فكثيرا ماكانت تجرى العمليات الإسعافية بأدوات بدائية ودون تخدير أحيانا ".

لحظة الانتظار لاتزال الأكثر بهاء وحضورا في ذاكرة أبطال سجن حلب حين " رفرف العلم السوري على إحدى التلال القريبة من السجن ولاحت راية النصر وانسحب الإرهابيون يجرون ذيول الهزيمة بعد رعب سيطر على قلوبهم أمام تقدم قوات الجيش العربي السوري باتجاه السجن فكان اللقاء المنتظر بين أبطال صامدين في وجه الحصار والمعاناة وابطال قدموا محررين لاتثني عزيمتهم أهوال ولا يخشون في حب الوطن أحدا " كما يروي الضابط البطل.

ويلفت إلى أن " عناصر حماية السجن أفشلوا 18 هجوما عنيفا شنته المجموعات الإرهابية المسلحة على السجن بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة من عربات وسيارات وبلدوزرات مفخخة والسبب الأساسي يعود إلى قيام عناصر حماية السجن بإحاطته بإجراءات حماية فولاذية " لافتا إلى الأعداد الكبيرة من الإرهابيين التي كانت تنفذ اعتداءات متكررة على السجن والتي ضمت مختلف الجنسيات الأجنبية.

البطل محمد ناصر الذي تحمل قسمات وجهه علامات الصمود الذي سطره ورفاقه في سجن حلب المركزي قلعة الشمال الصامدة يتحدث عن إصابته خلال الاشتباكات بست طلقات في الرقبة والكتف وبقائه لأربعة أيام فاقدا للوعي دون تلقي علاج كاف والاعتماد على إسعافات أولية بسيطة مشيرا إلى أنه لم يخبر أهله عن إصابته الحقيقية حينها واكتفى بالقول إنه أصيب بطلقة واحدة فقط.

ويتابع ناصر تفاصيل حكاية معاناته ورفاقه حيث بقوا لعشرة أيام " دون طعام وكان الهلال الأحمر منقطعا عن التواصل معنا بعد كل اشتباك مع المسلحين وكنا نتناول خلالها الخبز اليابس والنعناع وملح الليمون".

سنة وثمانية أشهر عاد بعدها الأبطال إلى منازلهم محمولين على الأكتاف تهل لهم دموع الكبير والصغير ويتناثر الأرز والورد والحمام وزغاريد النسوة في صفحة السماء وبحضور أهالي شهداء السجن الذين أتوا يطربون لسماع قصص البطولة التي نسجها أبناؤهم في سجن حلب المركزي .. يقول محمد جميل عباس والد أحد الشهداء: "جئت لاستقبال أولادي فجميع من كان بالسجن أخوة وجميعهم أولادي " مبينا أنه طلب من الأبطال المحررين رواية تفاصيل استشهاد ابنه الذي يفخر به كما لكل شهيد في ربوع الوطن.

ويعتبر البطل أنس محمد أن " أسرار الصمود ستبقى في عقولنا ولن يحيط بها إلا من عاشها خلال الحصار حيث لعبت بنا الأيام والساعات والليالي وعشنا الجوع والعطش سوية وتقاسمنا اللقمة الطرية واليابسة والهموم والاوجاع ولحظات الأمل الذي لم نفقده يوما ".

ويؤكد محمد "ثقتنا بالانتصار لم تتزحزح قيد أنملة وقد اختبرنا مختلف المشاعر في السجن حيث فقدنا أحبابا وأصحابا وتحملنا بعضنا كثيرا ودافعنا بشرف وجعلنا من بعضنا دروعا لحماية بعضنا الآخر وبكينا شهداءنا الذين دفناهم في الساحة الخلفية للسجن واليوم لايسعنا إلا أن نطلب لهم الرحمة ونعدهم ألا ننساهم ونصون دماءهم وندافع عن سورية بكل مانملك ".

حكايات من رحلوا شمعة لايخبو نورها في طريق من بقوا ممن يؤمنون بهذا الوطن وكرامته ففيها أجمل معاني الصمود والإصرار على النصر ولعل الكلمات التي تركها البطل النقيب علاء عباس لابنه واهله بعد إصابته إثر الهجوم العنيف على السجن بسيارة مفخخة كما نقلها زملاؤه خير برهان على تلك العزيمة .. إذ قال الشهيد: "هذه رسالتنا لكل من يفكر بالاقتراب من قدسية سورية .. سيكون عبرة للبشر فنحن رجال الجيش العربي السوري أسود الأرض نسور السماء .. وداعا من القلب لكل حجر وزاوية في سجن حلب لهذه القلعة الصامدة وداعا يا ابني حسن الذي لم أرك منذ سنة وثمانية أشهر .. وداعا يازوجتي التي سأغيب عنك إلى الأبد".

كلمات تصغي لها الاسماع وتنتفض لها القلوب وتمتزج معها المشاعر مشاعر الاعتزاز بالوطن وأبطاله فيزداد الإصرار على الدفاع عن ترابه وصونه .. أبطال سجن حلب المركزي ممن رحلوا وممن بقوا سيخلدون في ذاكرة كل سوري يعرف أن الشهادة والتضحية قدر الشعوب الحرة التي لاتقبل ذلا ولا هوانا ووحدها الكرامة عنوان وجودها.

طلال ماضي- غرام محمد
سانا

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=355