دراسات

واء ... واء .... نقطة ماء .سلمية تموت عطشا وارهابا فهل من مجيب ؟!!!

رجاء حيدر - خاص زنوبيا -


 رجاء حيدر - زنوبيا
إن الماء والهواء والتربة هي من مقومات الحياة ومقومات الحضارة الإنسانية , هذا ما اجمع عليه الدارسون للتاريخ وعندما كانت منطقة سلمية تتوفر فيها هذه الشروط , قامت عليها حضارات متوالية جعلتها منارة تتوسط سوريا وذاع صيتها بكل أصقاع الأرض , فهل يحق لنا ان ننسى ما كانت عليه سلمية بعد ان دارت الأيام وجار عليها الزمان وضحّت بكل ما لديها من غالي ورخيص ؟ .

الماء والهواء والتربة تعرضت لمشاكل كثيرة نتيجة التأثيرات الخطيرة الناتجة عن النشاطات البشرية , والتي ظهرت واضحة على معظم مكونات البيئة . ولعل الماء الذي هو أصبح ليس فقط مشكلة محلية بل كلنا يعلم ان الصراع على المياه الآن سمة العصر وخاصة في الشرق الأوسط الذي يشهد جفافاً وتغير بالمناخ يصعب السيطرة عليه وظاهرة الاحتباس الحراري ويمكن ان تخاض حروب من اجل الماء .
الاستثمار غير المرشد وإسراف العالم باستثمار ثروات الأرض الطبيعية أكثر مما تستطيع الأرض تجديده بعدة مرات , ومن هذه الثروات الماء , لذلك قررت منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1993 ان تحتفل في 22 آذار من كل عام باليوم العالمي للمياه . ونشرت منظمة الأمم المتحدة تقريرها حول المياه الذي تضمن ان هناك مليار ونصف شخص لا يملكون مصدر مياه نقية , و3 مليار شخص ليس لديهم نظام صرف صحي . ويموت كل يوم نحو 35 ألف شخص نتيجة نقص المياه أو بسبب الاعتماد على مياه ملوثة .
فهل نحن قدرنا ان نكون من هؤلاء ؟
لا يمكن ان ننكر ان المشكلة على مستوى سوريا حيث هناك قلة في الموارد المائية وعجز مائي يتجاوز 203 / مليار متر مكعب سنوياً , وان حوالي 65% من الموارد المائية في سوريا تأتي من الخارج , حيث تعتمد سورية على نهري دجلة و الفرات حيث أنهما ينبعان من تركيا لكن نهر دجلة مساره قصير في الأراضي السورية , وعلى نهر العاصي والذي هو النهر الوحيد الذي منبعه في سوريا الطبيعية , حيث منبعه في الهرمل , وبما ان تركيا تعتمد على مبدأ ( بعد كري ما ينبت حشيش ) حيث لا تعمل ضمن المواثيق الدولية وتستخدم ما يفيض عن حاجتها من السدود والحواجز على نهري دجلة والفرات فتمنع ما يمكن منعه من المياه من التدفق إلى سوريا والعراق ,فقد أقامت عدد كبير من السدود وشبكات الري بالإضافة إلى التزايد السكاني وظاهرة الجفاف فينابيع سلمية والبادية جفت, وقد سميت سلمية حسب إحدى الروايات لكثرة الينابيع فيها والاقنية الموجودة شاهدة على هذا , فقد اشتق اسمها من ( سيل مية ) حسب المؤرخ محمود أمين في كتابه سلمية في خمسين قرناً , أيضا يذكر لنا قصة قناة العاشق :
" سادت الأساطير حول هذه القناة وقد أجمعت الروايات , ان أمير سلمية أحب ابنة ملك أفامية , وكان صداقها هو استحضار الماء إلى أفامية بشكل دائم , و لكن الشيء الأكيد هو وجود هذه القناة , و التي لا تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا , و تمتد هذه القناة من مواقع عين الزرقاء غربي سلمية متجهة غرباًالى ان تصل إلى أفامية وتروي القناة أفامية المدينة بشكل رئيسي , تدير بعض الطواحين المقامة عليها , لها فتحات لإرواء السكان كما في قرية الشحلة بمأخذ مائي . لها مأخذ مائي كقناة فرعية لإرواء قرية كفر زيتا وتصل إلى قرية يرعون . ويضيف الكاتب محمود أمين : ويبدو ان القناة خربت بفعل زلزال عام 551 / م , ثم بنيت لتخرب ثانية عام 552/ هـ الموافق 1157 / م , مما جعل ملوك بني أيوب يحولون مجراها للاستفادة في إرواء مدينة حماه وسقاية المناطق الشمالية منها المسماة مناطق الجروف وهناك نقوش عربية عن القناة نقشت على أعمدة الجامع الكبير في حماه , تحمل تاريخ /15/ من شهر جمادى الأول سنة 901 هـ - 1491 م , وهو عبارة عن مرسوم صادر عن كافل المملكة الحموية بحماة قانصوه الشريفي الشامي , ينص المرسوم على إبطال الضريبة من المنتفعين بمياه ساقية سلمية .
في خمسينيات هذا القرن تعاظم الطلب على الماء نتيجة توسع رقعة الأراضي المروية و ازدهرت زراعة القطن حيث يعرف القطن بشراهته للماء , فجهد السكان على حفر الآبار السطحية بشكل عشوائي حيث وصل عام 1960 إلى نحو 1435 بئراً وبالرغم من صدور قرار عام 1959 رقم / 208 / يحظر منح رخص لحفر آبار جديدة إلا ان الحفر استمر إلى ان وصل عددها /5504 / عام 2002 وازدهرت سوريا اقتصاديا من خلال القطن ,والذي عم بالفائدة على الجميع لكنه كان من احد أسباب الجفاف بالمنطقة وتركت تواجه مصيرها لوحدها . بالإضافة إلى حفر الآبار,أيضا نقص الهطل المطري الذي يعتمد عليه المخزون الجوفي فدراسة المناخ في المنطقة توصل الدارسون ان كل 15 سنة حتى تأتي سنة ماطرة على المنطقة مثلما حدث من سنتين حدثت سيول قضت على الموسم الزراعي وامتلأت السدود الترابية والذي خلال يومين تبخرت المياه التي تجمعت في الحفر والباقي غار في الأرض . وذهب في المجار ير , ولأسباب عديدة منها ان سلمية منطقة زراعية خصبة وقد أدى جفاف المياه الجوفية إلى تضاءل فرص العمل وانخفاض مستوى المعيشة وازدياد معدل الهجرة بالإضافة إلى التأثير السلبي على الثروة الحيوانية في البادية السورية , من اجل هذا كله أصدرت القيادة القطرية بتاريخ 17/3/1979 كتاباً برقم / 2235 / ص موجها للسيد رئيس مجلس الوزراء لدراسة إمكانية جر مياه الفرات إلى منطقة سلمية , وبناء عليه صدر القرار رقم 156 تاريخ 19/4/1979،شكلت لجنة فنية لإعداد دراسة فنية واقتصادية لتنفيذ هذا المشروع من اجل المساهمة في إنعاش المنطقة وتوفير مياه الشرب للسكان , بتاريخ 19/4/1979 أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم (156) لوضع دراسة فنية – اقتصادية حول جر 300 مليون م3 سنوياً من مياه نهر الفرات لري أراضي منطقة سلمية، ولم تنفذ.
في عام 2002 وضعت دراسة ثانية لجر 344 مليون م3 سنوياً لمنطقة سلمية لأغراض الري والشرب ، ثم عدلت الدراسة ووضعت الثالثة عام 2004 لجر 110 ملايين م3 سنوياً للري والشرب، إلا أن هـﺫه الدراسات جميعها وضعت طي الأدراج .

بتاريخ 19/5/2004 اقترحت شبكة الآغا خان مشروع دراسة حول جر مياه نهر الفرات إلى منطقة سلمية والجدير بالذكر أن "شبكة الآغا خان هي مجموعة من البرامج والمنظمات الدولية التنموية اللاطائفية تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية وخلق فرص جديدة للفقراء بدعم وتحسين آفاق التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في سوريا وأكثر من 38 دولة في العالم ", وجاء في تقرير اللجنة ان شبكة الآغا خان للتنمية ستساهم في انجاز دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية وفق المقاييس العالمية , ومساعدة الحكومة في عرض المشروع على الجهات المانحة والصناديق العربية والدولية للمساهمة في تمويل تكاليف المشروع وناقشت اللجنة الدراسة بشكل يتوافق مع توجهات وزارتي الري والزراعة , وأكدت أهمية المشروع في استقرار الإنتاج الزراعي والمحافظة على الثروة الحيوانية وتأمين فرص عمل والحد من الهجرة وإيقاف زحف التصحر , بعد مرور عام على توصية اللجنة أرسلت مديرية الري العامة لحوض العاصي كتاباً برقم( 2616 ) تاريخ 7/4/2005 إلى وزارة الري،أوضحت مديرية الري بعد الاطلاع على محتوى الدراسة وأهمية تنفيذها من حيث الجوهر و للأسباب الواردة أعلاه, لكن وزارة الري لم تضع المشروع ضمن أولوياتها , في 30/5/2007قدم عضو مجلس الشعب جوزيف الماغوط مداخلة تضمنت السؤال عن المشروع فكان جواب الوزارة غير واضح , وأن المشروع لا يمكن تطبيقه إلا في العام 2025، فهل نعيش إلى ذاك الوقت يا وزارة الري ؟ وهل نحن مواطنون سوريون متساوون أمام الدستور, وتحق لنا الحياة والاستفادة من موارد الوطن الطبيعية كما غيرنا ؟ وهل تنتظر الحالة الاسعافية بعد ان وصل حالها إلى اخطر حال إلى ان تنهي المواعيد المسبقة التي أخذت على الهاتف كما يحدث عن أطباء الأمراض القلبية ؟ مع العلم ان هناك جهات مهتمة بتنفيذ المشروع من جملة مشاريع تقوم فيها بسوريا .
بلادي وان جارت علي عزيزة
وأهلي وان ضنوا علي كـــرام
تصوروا الجانب الوردي من المشروع لو ان المشروع نفذ من عدة سنوات كيف سيكون الوضع على الصعيد المحلي وعلى الصعيد القطري ؟
هل كان وصل حالنا إلى هذا الواقع المذري , في احد أيام الربيع ونحن نلحق الشمس في النهار لنوفر قليلا من المازوت كنا نجلس في بيت أهلي بالشمس, وعندنا ابنة عمتي دق باب البيت وإذ بامرأة تحمل طفل يلبس ثيابا رثة لا تستر من جسده شيء فظننت أنهم من المتسولين, ولكن دخلت إلى داخل البيت ومعها صبية ودهشت للسؤال !!! قالت بخجل ويبدو عليها الحياء وكأنها تقترف ذنباً عندكم ( حشيش ) ؟ ازدادت دهشتي وقلت لها لا ولكن ابنة عمتي قالت لها نعم نظرت إليها فبادرتني بهمس دعيهم يأخذوا هالحشيش بين الشجر بالدار الشرقي , سكت ولكن كل هذا حدث بدقيقة دخل شابان ورجل كبير وما ان دخلنا إلى أمي لنخبرها حتى صاروا خلف البيت, وبيدهم ما نقول له( قالوشة ) وهي شبيهة بالمنجل لكنها اصغر منه تستخدم لحصاد الجلبانة والعدس والزرع القصير , المهم بعد قليل أتت البنت الصبية حيث نجلس وقالت لنا بخجل عندكم رغيف خبز ؟ قالت لها ابنة عمتي هل أنت جائعة ؟ قالت لها من اجل طفلين معها , قالت لها هل أضع لكم زيت وزعتر ؟ قالت لها يا ريت.... جلست معنا, ونظرت إلينا وقالت : ( نيالكم ) سألتها لماذا ؟!! قالت : عندكم "خضار" وتقصد به أي نبات اخضر , سألتها وانتم؟ قالت : نحن" ما بو عنا غير الرمل والتراب والذئاب ", وأين تسكنون ؟ قالت : نحن بالبلعاس "وهو جبل في البادية السورية " تركنا بيوتنا ما بو غير التراب والذئاب سألتها والمدرسة ؟ قالت : الأستاذ رحل أنا ما عمري دخلت مدرسة لكن هؤلاء أولاد اخوي كانوا بالمدرسة, وتركوها لان المدرسة سكرت وما بقي حدا بالضيعة تركنا بيوتنا حتى القرى حولنا كلها رحلت , اخذ الطفلان يأكلان وهي بدأت بالأكل وكأنها لم تذق الطعام من مدة , ثم أتت أم الطفلين وجلست ترضع الطفل على حضنها يرتدي من الأعلى ثياب كنزه فقط وبنطال من المفترض ان يكون طويل لكنه يبدو إلى ركبته , كانت تقف في خارج البيت شاحنة صغيرة نقلوا الحشيش إلى الشاحنة والفرحة تبدو عليهم جميعا وكأنهم وجدوا كنز , سألت الرجل لماذا تطرقون الأبواب من اجل الحشيش؟ قال : ماذا نفعل كل البدو رحلو ا اللي رحل إلى طرطوس واللي أتى إلى هنا أغنامنا بدأت تموت ماذا نفعل ؟ لا ماء ولا علف . ألا تستلمون أعلاف من المؤسسات ؟ قال استلمنا مرة واحدة والكيلو ب 12 ليرة والآن نبيع من الأغنام حتى نطعمها ونأكل هل نتركها تموت أمامنا؟ كم ضيعة حولكم تركوا أهلها منازلهم ؟ والله كلها تركت لم يبق احد حوالي عشر قرى , حملوا غنيمتهم وذهبوا ومازالت صورة الصبية عالقة في ذهني كيف أنها تتحسر على المدرسة وعلى الاستقرار وعلى موسم من اللون الأخضر اقل من شهر يبدو عندنا وبعدها يذهب الأخضر واليابس معه .
هل تلاحظون كم مشكلة نتجت , تسرب الأطفال من المدرسة , حرمان النساء من التعليم , عدم استقرار البدو بعد توطينهم , وغيرها من المشكلات الاجتماعية المتفاقمة والتي بحاجة كل واحدة منها لعمل كثير من المنظمات للقضاء عليها .
هذا هو حال بادية سلمية, ولكن كما يقول المثل ( الحكي مو مثل الشوف ) أما حالنا كما حدث في إحدى حلقات مرايا لياسر العظمة كل امرأة تحمد ربها على وضعها عندما ترى من هي بأسوأ حال من حالها إلى ان وصلت واحدة ان حمدت الله على نعمة ان زوجها يسمح لها ان تذهب وتخدم في البيوت ولم تخلق بافغانسان , وهذا ما كان حالي فحمدت الله أني خلقت "حضرية "ومازلت مستقرة في مكان وذهبت إلى المدرسة ," الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه , هل ترون كيف نترك موضوع وندخل بموضوع آخر ... كنا نتحدث عن مياه الشرب وأننا سنموت من العطش ان لم يلحقنا احد وأين جرنا الحديث ,,, صحيح كما قال المثل حديث النسوان عند الباب .
لن أطيل أكثر بعد كل ما قلته هل تقدرون لوعتي وألمي فالحكاية كلها ان تلدرة حوالي 20 ألف نسمة , كل أربعة أيام تأتيها مياه الشرب ساعتين, في أي وقت كان يمكن ان تأتي في الفجر, ويجب ان تسهر أمي وأختي طوال الليل لينتظرن قدوم الزائر الغالي الماء وإلا فحالهم ويلا , تصوروا ان الكهرباء قطعت ولا يوجد نقطة ماء نشربها أو نضعها على وجهنا لتخفيف شدة الحر , اتصلت برئيس مجلس البلدة فقال لي ان المسئول عن فتح الماء في السجن لأنه لا يعمل على توزيع الساعات بشكل عادل على أحياء البلدة فأكل قتلة وذهب إلى السجن, فبرأيكم هل هو المسئول ؟ مع العلم ان الماء توزع على مناطق المحافظة بأمر من مدير المياه في حماه هو من يحدد حصة كل بلدة . من سنوات عديدة لم نرى الماء تنزل من الصنبور في النهار, وصار حلم مواطن سلموني ( ان يضع فمه على الفيجة ويغب منها حتى يشبع ) , مع العلم ان الماء لا تقطع ليلا نهارا عن مدينة حماه , في يوم كنت عند خالتي وقفت لأنظف الصحون وبالصدفة فتحت الصنبور الافرادي فانتبهت علي خالتي وقالت لي ( إيه احلمي ينزل ماء) ! طبعا أنا اكتشفت بذكائي الخاص ان هذه الخط الرئيسي للماء .
فهل يحق لنا ان نتساءل لماذا ؟ نحن نموت عطشا ومن يريد ان يقول لي ان مدينة حماه حولها آبار تغذيها بالماء ,يمكن ان أتساءل هل المياه حكرا عليهم أم هي لكل أبناء الوطن لماذا هم يغسلون سياراتهم وشوارعهم وينامون ويستحمون ونحن لا نشرب ؟ , ماذنبنا أنها جفت مياهنا , ما ذنبي ان الآبار التي حفرت عندنا كبريتية لا يمكن استخدامها والدليل على ذلك في السنة الماضية تعرض الكثير من أهل البلدة إلى التسمم وأنا كنت احدهم لان المياه الكبريتية ضخت في الشبكة لمدة نصف ساعة نكاية بأهل القرية لأنهم قدموا عريضة إلى المحافظ بواقع توزيع المياه وحصة تلدرة منها , لماذا عندما كانوا بحاجة الماء جّرت إليهم من سلمية والآن بعد ان دار الزمان دورته لا يبادرون بنفس الفعل السنا إخوة ؟ كيف يمكن ان يناموا وجارهم عطشان؟ هل هذه من شيم العرب ؟ .

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=640