كلمات | شوفو سوريا |
دراسات | رياضة |
فريـش | بزنس |
وجهات نظر | الموقف اليوم |
محليات | احوال البلد |
فن الممكن | عيادة زنوبيا |
افضح الفساد |
أتمزق غيرة وحسرة وأنا أستمع لوالدي يتحدث عن ماض ليس بالبعيد, كان فيه مالك الليرة الواحدة, آمن من الجوع, لانه كان قادراً على الدخول الى اي مطعم حمص وفول ( وربما غير ذلك من طعام) في دمشق, والجلوس بإرتياح بالغ, و طلب ما يريد بشجاعة لا متناهية, ومن ثم الأكل حتى التخمة, لأن صاحب المطعم كلما تناقصت كمية الطعام في الصحن بفعل الإلتهام, سارع الى تصليحه ( ملئه) من جديد, ليتابع الزبون العتيد الهرس والقضم, وهو غير خائف من شيء, سوى عسر الهضم, لاطمئنانه أنه لن يدفع سوى حساب صحن واحد, لأن التصليح على حساب المحل وصاحبه, ويالله ما أبعد اليوم عن الأمس, حيث بات دخول المطعم حلم للكثيرين, وسندويش الحمص أو الفلافل يحتاج الى التفكير العميق بالإقدام على الشراء من عدمه !
نعم, دمشق كريمة (ومثلها كل المدن السورية), ولا يمكنك أن تضجر فيها أو تسأم, وكنا نستطيع فيها أن نمارس هواياتنا, وأن نقضي احتياجاتنا كلها بأبخس الأثمان, ومشاوير الغوطة مع أطباق التبولة والمجدرة, وقاسيون بالبطاطين الممدودة على سفوحه, والمكتظة ببشر تلاحق ضحكاتهم نجوم السماء, والربوة بأراجيلها وشايها الأكرك عجم, وقرقعة أحجار النرد تنافس صراخ المستشطين غضباً وخلافاً على لعبة "طرنيب", ماض ما زالت روائحه في أصابعنا وياقات قمصاننا, لكن آه كم من الرصاص أطلق على ذاكراتنا, فدخلت سبات شتوي في قطب متجمد ينتظر صيف هارب من استواء ما !
أتمزق وجعاً, وأنا أتذكر أمس قريب قريب, كيف كان يتحول فعل العزاء لعائلة منكوبة بفقيد, الى فعل إحتضان يشارك فيه القريب والغريب, ويتوقف فيه حتى الجيران عن نشر الغسيل ومشاهدة التلفاز ووضع مساحيق الزينة, وارتداء الملابس الملونة, ويحتالون على رائحة الطعام لئلا تفوح, احتراماً لمشاعر أهل الفقيد, بينما شوارعنا وبيوتنا الآن, مثقلة بالغصات الطازجة الحارة, تموج بالأسود يلاطم بعضه بعضاً, دون سؤال ولا تعاطف من أحد, ولا عتب على أحد
لأن الجميع مكلوم.
أتمزق وظهر قلبي ينحني بوصة تلو الأخرى, وأنا أستمع للسجال اليومي المر للخروج للشرفة, أومن المنزل عبر الحواجز وأكياس الرمل, لاخواتي وصديقاتي مع ابنائهن المحرومين بفعل الحرب المجنونة, من الشمس والحدائق , والتسكع على اسفلت الطريق, وتوهم قصص الحب, والظن أن الكون جزيرة ذهب وبحيرة بجع, وميكي ماوس, وفارس وسيم, الحلم في سرج حصانه الأبيض.
أتمزق وأتذكر, أن نوم الظهيرة في مدننا كان معاناة بفعل صراخ الأطفال والمراهقين في الساحات أمام منازلنا يتراكضون خلف كرة, أويتصارعون على لعبة, أو يباهون بعضهم البعض بفتاة عبرت بهم ورمقتهم بنظرة خجولة عجولة, فتوهم كل واحد منهم, أن النظرة تخصه وتعنيه.
ساحات مدننا الآن باتت متاهات من المتاريس لحماية العابرين من رصاص قناص يتسلى بإطلاق الرصاص على رؤوسنا بإعتبارها أهداف متحركة, تخفف من ملل وبلادة جلوسه الطويل, وتكسبه مهارات جديدة, تضاف الى رصيده كقاتل مأجور, ويضاف عبره الى رصيد الوطن المزيد من الشهداء !
ومقاهينا لم تعد كراسيها تغص بالعشاق, بل بمجموعة من المكابرين المتحاملين على الوجع يسامرون خوفهم بالرضا بقضاء الله وقدره, ويهربون الى الحواديت الصغيرة ونكات ونهفات "الواتس آب", فتصطادهم الشاشات المتلفزة, المنصوبة كأفخاخ في زاويا المقاهي, وتعيدهم قهراً الى الحواديت الكبيرة, حيث الوطن " بطل شعبي" في كل الأخبار.
وحيث التفاصيل الصغيرة تمزق الأعصاب, والتفاصيل الكبيرة تعد بتمزيق الجسد, بالرصاص, والصواريخ والقنابل التي تهديها أمريكا الى " معارضتنا المسالمة المعتدلة", التي – من المؤكد- لن تبخل على أجسادنا بحصتنا من الكرم الأمريكي (المتفجر), المدعوم بمباركة ومساهمة ورعاية " أشقائنا العرب".
أكابر مثل الجميع, وأشاهد مع الجميع, وأتمزق جنوناً لدرجة أن بي رغبة للوقوف في قمة قاسيون, لمناداة الرب : أرجوك .. واحد وطن وصَلحه !
جميع الحقوق محفوظة 2024 © موقع زنوبيا الإخباري
Powered by Ten-neT.biz An Internet Company