كلمات

أميرة.. بين ابتسامتي وعبق التراب


إلى الأميرتين, أميرة أمي وقد توسدت التراب

 

أميرة ابنتي, حين أتوسده أنا

 

بقلم لمى توفيق عباس: كلهم بكوا.. وكلهم  شكوا.. زغردوا ألماً وتضرعوا قهراً.. وأنا في لحظة عري من دنياي ابتسمت.. أنت فقط, وحيث أنت الآن فهمتني وفهمت معنى الابتسام, وكيف لا؟ وأنت الأم الأميرة دوماً. أنت الطائر المكابر الحر.. صحيح أن غيابك هكذا لم يكن في البال.. لكني الآن لا أستغرب فتلك هي أنت, أبداً تعرفين كيف تبقين.. أبداً تعرفين كيف تورقين.. وإلا لماذا هذا الغياب والرحيل..؟ وإذا به أصبحت أشدُّ قرباً وأكثر دفأ أطيب عنقاً.. وأجمل حضوراً.. كآخر ملكات الشرق رحلت بصمتٍ وبكبرياء الملوك.

 

هناك من يكبرون بموتهم.. وقلة هم من يدركون ذلك, أما أنت فقد أدركت هذا واتخذت سبيلاً لتحيين أكثر.. وتبدين أجمل.. فما كنت أبداً لتقبلين برحيل لا يليق بك, بالأمس كنت معي واليوم أنت فيّ.. تملئين ذاتي وتغفين في مقلتي, تتنفسين عبري وتشيرين إلي وأعرف الآن ماذا تريدين أكثر مما كنت أعرف بالأمس.

 

هو الموت ومن  مثل الموت يمنح هذه الأبعاد  ويصوغ هذا الامتداد؟ هو الموت  والموت ليس على الدوام قسراً وعسفاً, إنه في أحيان ودون دراية منا  تمنياً وإرادة واختيار حين تخط  كلمتنا ونؤدي ما ينبغي علينا تصفو مياهنا.. وتتضح رؤانا, فنتوق إلى ما كنا نخشى ونرحل صوب ما كنا نهرب ونستسلم لأشواق التراب لنرقد بين حباته بسكينة هي ملك الأعين إنها حكاية الانتماء الأول ولحن النداء الأخير, ألسنا من التراب وإليه نعود..؟ فالموت ليس عدماً ولا هواء ولا انتهاء, هو آلية رجوع وشكل وصول هلّة كبرى.. لراحة فضلى خاصة حين يكون المسافر أماً.. ومن مثلك أماه حري بهذه الراحة.. ومن مثلك جدير بهذا الانعتاق..؟

 

لا أدري إن كان هذا ما يسمونه بالتسليم بقضاء الله ولكن بطبيعة الحال هكذا بت أرى الموت وهكذا أفهمه.. هو الإنسان وللإنسان طريقته في التعاطي مع الحتميات الخالصة والحقائق الكبرى وليس من حقيقة أو حتمية ثابتة في حياتنا كالموت.. هكذا أخفف وجعي.. وهكذا أقوى على تحمل حزني أما أنت أيها التراب.. يا وعدنا الثابت والأخير.. شكراً لك.. لطالما تاق إليك الأحبة.. أو تقت أنت لهم.. شكراً لك.. فيك ترقد الآن من تحيا بقلبي وفيك تستريح من تعرش في ضلوعي ولك أميرة أمي أقول أنك هنا لما تغادري بعد.. صوتك.. قهوتك.. لمستك.. عريشتك.. أشياءك التي أحببت.. أغنياتك التي رددت.. هي بيننا, تحيا هي مثلنا.. تتنفس بك وتكبر من جديد.

 

رحمك الله أمي.. هو فراق أمضى حده من حد السيف..

 

ورعية اتسمت بالسواد  لن تولي إمارتها بعد لغير جلالتك..

 

هنيئاً لك ما أمسيت  عليه وأصبحت به..

 

وهنيئا لنا.. أننا بعض رعاياك

 

 

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=6&id=20901