وجهات نظر

الصين وايران تدشنان مشروع “تشبيك البحار الخمسة”..وسوريا في قلبها

ناظم عيد - الخبير السوري


نقف اليوم في سورية أو نوشك – كما كل المنطقة – على مفترق طرق حاد للخيارات الإستراتيجية الجديدة، ويبدو أننا بتنا فعلاً على بوّابة الخروج إلى فضاء سياسي واقتصادي رحب، فيه ما فيه من فرص استثمار غير مسبوقة للجغرافيا والموقع الطبيعي، أي إخراج النظرية العميقة القديمة نسبياً إلى ميدان التطبيق، وهذه ليست نبوءات عائمة ولا خطاباً تعبوياً، بقدر ما هي قراءات متأنية لمستجدّات جداً حساسة وبليغة الدلالات، وليعذرنا قليلاً من لن يتسع صدره بيننا لقراءة مؤشرات التفاؤل الواقعيّة تحت وطأة الظرف المعيشي وطقوس الوجع والمعاناة الناتجة عن مقدمات بعيدة نسبياً ، وربما هذا ما يسلّم به كل من أجاد قراءة المشهد العام، وما زال يتعاطى مع الوقائع ببعد نظر. وببعد نظر.. سنخرج إلى الفضاء الإقليمي، ومنه سنعزز نظرية التفاؤل التي على الأرجح لن تتأخر ارتساماتها التطبيقية على الأرض..فما بين أيدينا الآن عنوان جديد ينطوي على كم هائل من التفاصيل نختصره بثلاث كلمات ” الاتفاق الصيني الإيراني”..الذي سيغير المشهد الراهن للاصطفافات الدولية سياسياً واقتصادياً، وستكون سورية في قلب المشهد العام كمفصل فاعل وقادر على استدامة الفعل والتأثير، والأهم حصاد ثمار جيوسياسية تأخّر حصادها كثيراً.. في قراءة هذا المستجدّ المحوري، يبدو من البدهي أن يقفز ذهن أي محلل أو قارئ جيد لما بين السطور، باتجاه المشروع السوري الإستراتجي الذي صاغه الرئيس بشار الأسد قبل عقد ونيّف من الزمن، وهو ” تشبيك البحار الخمسة”، والذي جوبه بسُعار حقيقي اعترى الولايات المتحدة الأميركية و إسرائيل، كذلك دول أخرى في المنطقة غارقة في التبعية، و لا نخفي يقيننا بأن تركيا كانت الأداة الأكثر تأثيراً في سياق محاولات إحباط المشروع برمته، إلا أن ما يظهر جلياً اليوم أن المشروع أو تجلياته على الأرض قد تأجلت وليس إلا، و لم تنجح محاولات نسفه، إذا ها هو يتجدد لجهة فضائه الحيوي وفحواه عبر الاتفاق الصيني الإيراني، والمنعطف الجديد في رحلة الشرق نحو كسر مفهوم القطبية الواحدة، وإتاحة الفرصة أمام دول المنطقة لاستثمار مقدراتها، و إعادة بناء اقتصاداتها ومجتمعاتها وفق نسق وطني بعيد عن دوامات الانزلاق في منزلقات العولمة المعلّبة البغيضة. لقد طرح الرئيس الأسد فكرة ربط أو تشبيك البحار الخمسة حينها، المتوسط و الأسود و قزوين و الخليج العربي و البحر الأحمر، بكل ما تنطوي عليه سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً لتوحيد جهود دول هذه البحار و تحقيق مصالحها, و بالتالي مواجهة المشروع الصهيوني الذي يعمل على تفتيت المنطقة.. وكان طرحاً جديداً إستراتيجياً من إنتاج ” عقل سوري مفعم إيماناً بمفهوم الدولة الوطنية” .. وهانحن أمام ولادة جديدة للفكرة و تجدد المشروع وفق آليات جديدة تبدأ بأبعاد سورية إيرانية عراقية، وتمتد إلى ديار العملاق الصيني صاحب مشروع ” الحزام والطريق” الذي يربط الصين بالشرق الأوسط مروراً بآسيا الوسطى، أي سيتلاقى المشروع السوري بالمشروع الصيني، على هدف واحد وهو مواجهة التجليات البغيضة للقطبية الواحدة واستفراد أميركا و إسرائيل بدول المنطقة واحدة تلو الأخرى..”قواعد للقوات الأميركية منتشرة في معظم دول هذا الإقليم الصغير..أجندة تقسيم واضحة للدول على أسس طائفية وعرقية..متوالية تطبيع مع إسرائيل..بلورة ميليشيات متشددة تتوعد عموم فكرة الدولة الوطنية..وفي المحصّلة استلاب مطلق للمقدرات والموارد”. أمام هذه الحقائق التاريخية والجغرافية بكل إسقاطاتها المتوقعة سياسياً واقتصادياً، قد نكون على المدى المنظور القريب أمام حالة استنفار أميركي – إسرائيلي، لأن ثمة وقائع ستسحب فتيل الهيمنة المطلقة لهاتين القوتين أو القوة العظمى وذراعها العسكري في المنطقة. سيولد قطب جديد مناهض معزز بقوة الصين العظمى التي نجحت في اعتماد نمط توزيع القوة، أي أن يقابل القوة الاقتصادية الصينية قوة عسكرية في حالة تطور مستمر لحماية المصالح الاقتصادية، كما أن إيران أثبتت أنها قوة ضاربة في المنطقة، وسورية دولة أثبتت قوتها عبر انتصارها بعد صراع وصمود عشر سنوات في حربها الضروس مع الإرهاب وقوى دولية وإقليمية كبرى..إضافة إلى حساسية موقعها الجغرافي ومحوريته في أي تحالفات إقليمية ودولية جديدة. محور جديد سيكون المثقّل النوعي له روسيا الباحثة عن شركاء للمواجهة – الباردة – مع الأميركي…أي قد اكتملت حلقة التحالفات الجديدة، و كان الاتفاق الصيني الإيراني هو شارة البداية إيذاناً بالانطلاق نحو أفق آخر مختلف بملامحه عن ملامح الهيمنة الأميركية الراهنة. بقي أن نشير إلى أن الاتفاق الإستراتيجي الذي وقعته الصين وإيران أحدث رضّاً في دوائر القرار الأميركي، وهو حالياً محور نقاشات لدى العديد من دوائر التحليل السياسي لاسيما في الولايات المتحدة وإسرائيل لما له من أبعاد ودلالات. وتأتي أهمية الاتفاق بشموله عشرات المجالات، منها البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات . إلى جانب تعميق التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات والأبحاث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الإستخبارية. واعتبرت صحف أمريكية أن موافقة بكين على استثمار نحو 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً من شأنه أن يعمق نفوذ الصين في الشرق الأوسط من جهة ويقوض الجهود الأمريكية للإبقاء على عزلة إيران من جهة أخرى. فيما وصف حسام الدين أشينا، كبير مستشاري الرئيس الإيراني حسن روحاني، الاتفاق بأنه “مثال على الدبلوماسية الناجحة” ، معتبرا إياه دليلا على قوة إيران “في المشاركة في التحالفات، وليس البقاء في عزلة”. كما وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الاتفاق بأنه “خارطة طريق كاملة” للعلاقات لربع القرن المقبل. ويرى محللون أن العلاقات الإيرانية مع الصين “قد تمثل تحدياً لنهج واشنطن المتشدد.. ويتوقع خبراء أن الشراكة الإستراتيجية بين إيران والصين ، “يمكن أن تعرض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط للخطر، و لاسيما في الخليج”. باختصار ..لن يكون المشهد في المنطقة بعد هذا الاتفاق ما كان قبله..ونتحدث عن المنطقة برمتها وليس مجرد التعاطي الصيني الإيراني، وسورية ستكون بموقعها و مبادراتها السابقة التي طرحها الرئيس الأسد، ستكون بيضة القبان في التوازنات الجديدة..من هنا كانت نبوءتنا المتفائلة بالقادمات من الأيام، نقول هذا رغم زحام المفاجآت التي عودنا عليها ” الشيطان الأميركي”.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://www.znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=27848