إعلانك المبوب
  ارض زراعيه 7 دنم للبيع طريق العروس مرديدو منطقه عقاريه الرجم للاستفسار 0999182938     صدور كتاب التحكيم عدالة اتفاقية من تاليف القاضي المستشار امرالله فنصة حبث تضمن هذا الكتاب اراء اعظم فقهاء التحكيم في الوطن العربي     الآن في الأسواق.. صدور العدد الأول من جريدة " كاريكاتور" 10/8/2015 صحيفة شهرية كاريكاتورية ساخرة تصدر عن دار البعث الإشراف والتحرير: رائد خليل 24 صفحة /50 ل.س syriacartoon@yahoo.com     شقة مكسية ديلوكس مساحة 108 متر مربع في اشرفية صحنايا للاجار مفروش فقط بدون اطفال     انتقلت عيادة الدكتور ايمن عيسى اختصاصي امراض وجراحة الاذن والانف والحنجرة وتجميل الانف-تخطيط سمع ومعاوقة سمعية من دمشق الى طرطوس-المشبكة-سوق النسوان هاتف 319270-0933229112  
القائمة البريدية

للإشتراك بنشرتنا الإخبارية

تابعونا على الفيس بوك
تصويت
فيديو زنوبيا
نهاية الأسرار المحرّمة

أسد زيتون
أيّتها السيّدات أيّها السادة :

   هل يخبرني أحدكم كيف صارت العروبة شتيمة ؟! ومتى صار أجلاف البادية وشُذّاذ آفاقها يُسمّون عرباً ؟!..

  قبل ظهور الإسلام كان الغساسنة في الشام والمناذرة في العراق , وقبلهم كان التدمريّون , وقبلهم وقبلهم إلى ما شاء أبجد هوّز , فهل يخبرني أحدكم عن لسان أولئك القوم ؟! وعن أدبائهم وأشعارهم وعن أيّامهم ؟! وإذا كانَ ثمّةَ مَن يقول أنّهم كانوا يتكلّمون بلغةٍ لم تعد متداولة , فهل يخبرنا عن اللهجات التي نسمعها اليوم متى وكيفَ بدأت وبدأ الناس يتكلّمون ويتحدّثون بها ؟!..

  في القرن التاسع قبل الميلاد بنى السوريّون مدينة قرطاجة حيثُ تونس اليوم , وسيطروا منها على البحر المتوسّط وبسطوا نفوذهم على سردينيا ومالطا وجزر البليار وصقلية وإسبانيا ووصل بحارتها وتجارها إلى سيراليون والكونغو في إفريقيا , وكان القرطاجيون أسياد البحر والبرّ لثمانية قرون تقريباً وتوغّلوا في أوروبا إلى جبال الألب , وما زالت خطط القائد القرطاجيّ هاني بعل وتكتيكاتهِ القتاليّة تُدرّس في الأكاديميّات العسكريّة حول العالم , ولكنّ لسان أهل تونس لم يتغيّر ولم تتحوّل لهجتهُ إلى لهجة أهل صور , وإنّما تحوّل لسان أهل صور في قرطاجة إلى لهجة أهل تونس تبعاً لخصائص المكان وطبيعتهِ وطاقتهِ , تماماً كما يحدث لباقي أنواع الكائنات الحيّة وحتّى النباتات والمعادن , وحتّى في الأماكن التي يقوم الوافدون إليها بإبادة سكّانها الأصليّين ليستوطنوا مكانهم ويفرضوا لغتهم الأمّ وثقافتهم , فإنّ لسانهم يتغيّر جيلاً بعدَ جيل , وكذلك طبائعهم وملامحهم وخصائصهم المجتمعيّة , لذلك نميّزُ اليوم على سبيل المثال بين رجلٍ يتحدّث الإنكليزيّة بلكنةٍ أمريكيّة وآخر بلكنةٍ بريطانيّة ..

  لدينا اليوم حقيقةً واضحةً وضوح الشمس , ولا تحتاج إلى برهان عليها سواها , وهي أنّنا إذا تبصّرنا بواقع أهل الفرات والنيل وما حولهما وما بينهما مروراً بجزيرة العرب وشطّ العرب وخليج العرب , نجد أنّهم قومٌ يتحدّثون بلسان واحد ولهجاتٍ مختلفة دون أن يحتاج أحدهم إلى ترجمان , وهم لم يأتوا من المرّيخ ولا من سيبيريا ولا من بلاد الغال ولا من المايا أو الأنكا , وكما هم اليوم كذلك كانوا أمس وقبلَ أمس , وإذا بحثنا عن اللهجة اليمنيّة في غير اليمن لن نجدها, وعن العراقية في غير العراق لن نجدها , وعن الحلبيّة في غير حلب لن نجدها , وعن اللبنانية في غير لبنان لن نجدها , وعن المصريّة في غير وادي النيل لن نجدها , والمتحدّثون بهذه اللهجات كانوا وما زالوا يتوالدون ويتكاثرون في هذه المناطق التي يقطنونها اليوم , فكيف صار العراق قديماً يُدعَى : أوروك ؟! لستُ أدري ! وكيف صارت تدعى حلب : أليبّو ؟! لست أدري !؟ وكيفَ صار نهر جيحون التوراتي يدعى نهر النيل ؟! لستُ أدري ....

  ألا ترون يا قوم أنّكم حيثما تجوّلتم في فرنسا تسمعون اللغة ذاتها , وحيثما تجوّلتم في إنكلترا تسمعون اللغة ذاتها , بينما لا تسمعون اللغة العربية بلسانها الفصيح المبين في أيّ مكان من البلدان التي تُسمّى بالعربيّة , إلاّ على المنابر الأدبيّة والثقافية والخطابات واللقاءات التلفزيونية وفي الجامعات والمدارس ؟! فلماذا يا ترى ؟! ألم تسألوا أنفسكم ؟! ألم تقرؤوا قصائد لأدباء وشعراء غساسنة ومناذرة وتهاميّون ونجديّون ويمنيون بتلك اللغة ذاتها قبل البعثة النبويّة ونزول القرآن ؟! ألا يعني لكم هذا شيئاً يا قوم ؟!..

   تغيّرَ كلُّ شيء في العالم بعد مؤتمر لندن (1905-1907م) , وأطلقت وثيقةُ كامبل إشارةَ البدء بإعادة كتابة التاريخ على طاولة (سايكس.بيكو.بلفور) , فلم يبقَ شيءٌ بعد ذلك كما كان , على الرغم من بؤس ومرارة الذي كان , ويبدو أنّ الحظّ الجيّد الوحيد في تلك الأيّام كان استبعاد راعي البقر عن المائدة اللندنيّة , فنجا تاريخ العرب ببعض الحقائق على يد المؤرّخ اللبناني المسيحيّ فيليب حتّي (1886-1978م) , وكذلك على الرغم من مشاركة زوجته اليهوديّة له في كتابة الجزء الخاصّ باليهود فقد أشفقَ الفيلسوف الأمريكيّ ول ديورانت (1885-1981م) على الكثير من الحقائق , ولم يستطع مقاومة إغراء متعة الاكتشاف وروعة السبق فضنّ بها لنفسه وأصعدها في قمرتهِ على متن قصّة الحضارة ..

  ليس غريباً ولا جديدا على أحد ما أقرّ به ول ديورانت من فضل السوريّين حضاريّاً وإنسانيّاً على جميع الأمم والشعوب لا سيّما الأروبيّين , ولكنّ الأمر المحزن والمخزي والمبكي هو أن يتسابق بعض السوريّين مع أعداءهم في مضمار الإجهاز على حضارتهم وطمس معالمها وملامحها ..

  لا أعتقد أنّ أحداً منكم يظنّ أو يعتقد بأن المؤرّخ اللبناني المسيحي فيليب حتّي كتبَ ما كتبهُ تعصّباً للعرب , وهو الذي خرج من ساحل فينيقيا لا من الحجاز أو الخليج , وسافر إلى الولايات المتحدة لا إلى عاصمة الأمويّين أو العباسيّين , ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا الأمريكيّة عام 1915م وعلّمَ فيها وأسّس أوّل دائرة تعني بشؤون العرب في جامعة بريستون عام 1925م  , ولم يدرس أو يُعلّم في دمشق أو بغداد أو القاهرة , وفي كتابه تاريخ العرب الذي ألّفهُ عام 1937م يقول :

( اللغات : الآشوريّة , البابليّة , الآراميّة , العبريّة , الفينيقيّة , العربيّة الجنوبيّة , الإثيوبيّة , كُلَّها لهجات مشتقّة من لغة واحدة , هي اللغة الأمّ العربيّة ) .

  ولا أعتقد أنّ قلمهُ قد امتنع من تلقائه عن التشريق نحو السنسكريتيّة في الهند والتغريب نحو اللاتينيّة في أوروبا , وقد أقرّتا هاتان اللغتان بجذورهما العربيّة ولسانيهما الأعجميّين بأنّ العربيّة هي الأم الحنون وهي الهويّة , وهي الكلمة السويّة التي أشرقت بنور المعرفة , وهي التقنيّة التي حرّرت مارد العلوم والتكنولوجيا ..

  من المؤسف حقّاً أن تهاجر أسماؤنا وألقابنا إلى أصقاع الأرض حتّى إذا عادت إلينا عجماء عرجاء , نعجم ونعرج معها دون حياء أو شعور بالإثم وتأنيب الضمير , فتغدو (دار السلام : أورشليم) و (عين الليل : إنليل) , و ( آذار : آدور ) , و (آشور بن بعل : آشور بانيبال) , و (صدقة : زاداكا) , ولست ألوم صديقي الذي يقسم بشاربَي العكيد أبي شهاب أنّ ( إيمبوسيبل ) الأجنبيّة ليست إلاّ ( ما بو سبيل ) البدويّة الأعرابيّة ..

   لا ضير أن ننكر جهلنا وتخلّفنا , وأن نتبرّمُ من حالنا المذري بين الأمم , وأن نغضب ونسخط ونصرخ ألماً , لكن أن ننكرَ ذاتنا فماذا لنا يبقى يا قوم ؟!..

  نقش السومريّون على جدران معابدهم مطلعَ الألفيّة الرابعة قبل الميلاد :

الإله الذي أخرج كلّ شيء نافع

الإله الذي لا مبدّل لكلماتهِ

إنليل الذي أنبت الحبّ والمرعى

وتلا المسلمون مطلع القرن السادس بعد الميلاد في قرآنهم :

لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم

سبّح اسم ربّك الأعلى * الذي خلق فسوّى * والذي قدّر فهدى * والذي أخرج المرعى

الصابئة المندائيون تلوا في كتابهم كنزا ربّا :

لا تمجّدوا الشمس والقمر

هو الله الذي أمر

فكان لهما وللكواكب هذا الضياء

لكي ينيروا به الظلماء

فإذا نادى الحيّ العظيم

سقطت كلّها في قرار بهيم

وتلا المسلمون :

ومن آياته الّيل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهنّ إن كنتم إيّاهُ تعبدون

وفي الإنجيل يقرأ المسيحيّون :

إنّ مرور جمَلٍ في ثقب إبرةٍ أيسرُ من أن يدخلَ غنيّ إلى ملكوت الله

ويقرأ المسلمون :

إنّ الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتّحُ لهم أبوابُ السماءِ حتّى يلجَ الجملُ في سُمِّ الخيّاط

وقديماً نقش البابليّون : في تلك الأزمنة الأولى لم يكن سوى الماء

وقرأ التوراتيّون : في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الأرض ظلمة وروح الله يرفَ على وجه المياه ..

ورتّل المسلمون : وهو الذي خلق السموات والأرض في ستّةِ أيّام وكان عرشهُ

على الماء
وقبل آلاف السنين نقش السوريّون على ألواح أوغاريت :

رسالة بعل العليّ

وكلمة عليّ المحارب

ونجد في التوراة : الربّ الإله العليّ .. ربّ الجنود

وفي القرآن : وإنّه في أمّ الكتابِ لدينا لعليٌّ عظيم ..

  الأمثلة كثيرة جدّاً ولستُ في وارد تعدادها وبيانها , ومن يقرأ ببصرهِ وبصيرتهِ يجد الصحف والألواح والأناجيل جميعها واحدة , ويجدها جميعها في القرآن الذي ختمها بخاتم الحقّ على صورة الكلمة التي كانت في البدء , ولكنّ جهل الناس ونسيانهم وغيرتهم وتحاسدهم جعلهم فريسةً سهلة لسوء الظنّ والفكر والقول والعمل , ليجدوا أنفسهم في مهبّ الحيرة والضلال , هذا إذا تدارَكَتْهم رحمةُ الله من الوقوعِ بشرَك الكفر والنفاق والفساد والطغيان , وإلاّ فإنّ لهذا الكون جسداً وروحاً وعقلاً ووجداناً , وقد علّمهُ الله تسبيح خالقهِ , ووهبهُ ما يحفظُ بهِ وجودَهُ وكيانَهُ إلى الغاية والأجل الذي قُدّرَ لهُ , فإذا ما ألمَّ بهِ ضررٌ من عملِ المخلوقين , أو داخلهُ من طغيانهم سَقَمٌ , اعتلقهم شرجُ السماء بماءٍ مُنهمر , وفار تنّور الأرض أو سامهم خسفاً ورجفاً بعذابٍ مهين فيكنسُ ما عملوا , ويهلك الطاغين والساعين في الظلم والفساد , إلاّ مَن رحم ربّي واستوى على الفلكِ المشحون ..

  لا شكّ أنّ ما وصلنا عنِ الأقدمين في كثيرٍ منهُ لم يصلنا على صورةٍ واحدة , ولا على المعنى الذي أنزلَ عليهِ , وهذه حقيقةٌ لا يُجادل فيها إلاّ الذين مردوا على النفاق , ونستطيع أن نستدلّ من قدرة أهل الفساد والضلال في العصور الحديثة على إدخال مئات التحريفات إلى الأناجيل وأعمال الرسل لتبرئة اليهود من جرائمهم , على أنَّ ما فعلوه وحرّفوهُ في الأزمان السحيقة كان أعظم وزراً وخطراً , ولا أدلّ على ذلك من الصورة التي رسموها لأنبياء الله في التوراة ليجعلوهم على شاكلتهم , فنجد فيما حرّفوهُ أنّ النبيّ داؤود يزني بامرأة أحد قادة جندهِ ويرسله إلى الموت ليتزوّج بها بعد أن حملت منهُ , وهي نفسها المرأة التي تلدُ لهُ النبيّ الذي وهبهُ الله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ , ونجدُ فيها أيضاً صورة الإلهِ السفّاح المُتعطّش للحرب والدماء , لمجرّد أن يعلَم الناس أنّه الربّ إله الجنود , ولم يُخْفِ حتّى المسيحيّون المؤمنون بالكتاب المقدّس استنكارهم لهذه الصورة , فنقرأ للشاعر رشيد سليم الخوري ( الشاعر القرويّ ) في أجمل روائعهِ الشعريّة الخالدة :

أتذكرُ كيفَ كانَ إلهُ موسى  *** إلاهــــــــــاً قاسيـــــــــاً يلتذُّ بالدَّمْ

إذا فإليكَ كيفَ غدا إلاهــــــــــــاً *** رحيمـــــــــاً إن تألّمنـــــــــــــا تألَّــــمْ

ونحن اليوم مع ما نراهُ ونعاينهُ من الوهّابيّين والتكفيريّين نقف أمام صورةٍ طبق الأصل عمّا كانَ يجري في الأزمان الغابرة على هذا النحو من التحريف والتزوير , مع فارق بسيط وإنّما جوهريّ : وهو اتساع المشهد وشموليّة الصورة وتوثيق الأدلّة بالجرم المشهود عياناً بياناً أمام جميع أمم الأرض وشعوبها وبكلّ لسان , فصورة داؤود التلموديّة هي نفسها صورة أنبياء داعش والقاعدة والوهابيّين والأخوان الشياطين , وقد فصّلوا ربّهم ونبيّهم على شاكلتهم النجسة , التي تدلّ عليها فتاواهم وعقائدهم وأفكارهم ورواياتهم المزوّرة عنِ النبيّ ورسالته , ولا أعتقد أنّني بحاجة للتذكير بفتاوى القرضاوي والعرعور والعريفي , ولكن لا ضير من الإشارة إلى رواية أتباعهم عن المامونيّة التي تغوّطَ بها أحد مشائخهم طعاماً لامرأةٍ حامل ألحّ عليها الوحام , وبقول راويها ( إذا رأيت الشيخ يزني فإنّ عينك هي التي تزني ) , وهذهِ الصورة التي بعثت شياطين الأنس والجن من مجاهل الأيّام وجحور التاريخ , وأحضرتهم على مسرح الأحداث في مشهدٍ لا أعتقد أنّهُ سيتكرّرُ أبداً , هي الوثيقة التي دمغت هؤلاء وأتباعهم وداعميهم , بما لا يزولُ حبرهُ إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين , وحسبُ المُعتَفِينَ اليوم في هذا عزاءً وقرّةَ عين ..

  خلالَ الأربعة عشر قرناً الماضية وقف المزوّرون والمضلِّلون أمام عقبةٍ كأداء اسمها القرآن , وها هم اليوم على قوّتهم وبأسهم وسيطرتهم , عاجزون عن تبديل حرفٍ مكانَ حرفٍ بينَ دفّتيهِ , في الوقت الذي لا نكادُ نقفُ فيها على صورة واحدة ومعنى واحد لتصريحٍ صغير تتناقله جميع وسائل الإعلام في وقتهِ وساعته , وهذا يدعونا أكثر لنتبصّر في إعجاز القرآن ونظامه البديع , والمبادئ الأساسيّة لفهمهِ واقتفاء أحكامهِ ومبانيهِ , والوقوفِ على ما خفيَ من أسرارهِ ومعانيهِ , ليسَ باعتبارهِ وثيقةً روحيّة وحسب , وإنّما مرجعاً تاريخيّاً وعلميّاً لم يطرأ عليه التغيير , ولكي نمسكَ بطرفِ الخيط على هذا الطريق , لا بدّ لنا أن ننطلق من النقطة التي ثبتت فيها صورة النصّ القرآني , وهي أوامر وتعليمات الإمام عليّ بن أبي طالب لأبي الأسود الدؤلي بوضع النقط والشكل وضبط الكتابة القرآنيّة على الشكل الذي نراهُ اليوم بين أيدينا , ولنا في كلام الإمام بوصف القرآن خير مدخلٍ إليهِ إذ يقول في أواخر خطبتهِ التي يذكرُ فيها ابتداء خلق السموات والأرض :

( .. كتابُ ربّكم فيكم مُبيّناً حلالَهُ وحرامهُ , وفرائضهُ وفضائلهُ , وناسخهُ ومنسوخهُ , ورخصهُ وعزائمهُ , وخاصّهُ وعامّهُ , ..... بينَ مأخوذِ ميثاقِ علمهِ , وموسّعٍ على العبادِ حهلهُ , وبينَ مُثبتٍ في الكتابِ فرضهُ , ومعلومٍ في السنّةِ نسخهُ , وواجبٍ في السنّةِ أخذهُ , ومُرَخّصٍ في الكتابِ تركهُ , وبينَ واجبٍ بوقتهِ , وزائلٍ في مستقبلهِ ) .

  ولستُ أدري ماذا سيكون حال شيعة الإمام عليّ وموقفهم منهُ إذا جاء اليوم ليبيّن لهم الآيات الواردة بين دفتيّ المصحف التي مضى زمنها مع ما هو واجب بوقته وزائل في مستقبلهُ , ولا أشكّ بأنّ العبقريّة العصبيّة لدى كثيرين منهم ستجدُ أوجهاً عديدة لتخريج وتصريف القول والالتفاف على معناه الواضح الذي تقرّه الآية الكريمة : ( ما ننسخْ من آيةٍ أو ننسِها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير ) البقرة /106 , وإنّه لمن المؤسف حقّاً أن نجدَ علماء كبار يقفون حيارى عاجزين أمام مفاهيم واضحة وضوح الشمس , يفهمها الأولاد الصغار في المدارس , فالكثير من الأخبار قصّها القرآن نقلاً عن لسان إبليس وعن لسان الكفّار والطغاة أعداء الأنبياء , فكيف تكون من كلام الله ؟! ألا يجب علينا أن نُفرّقَ بين آياتِ القصص وبين آيات الكتاب المبين ؟! وبين أحكام الشرع الإلهيّ وسنّته الجارية التي لا تبديلَ لها وبين أحكام الشرائع المنسوخة التي نزلت في حينها وفق عرفٍ أو شرع سابق , وتطوّرت تباعاً وفق حال الناس وطاقة فهمهم واستيعابهم وقدرة تحمّلهم وقبولهم للتطوّر والارتقاء ؟! ألا يجبُ أن نعرف المحكم من المتشابه ؟! ألا يجب علينا أن نعرف الفرق بين آيات الله وكلمات الله ؟! أليس كلّ مخلوقٍ وكلّ خلقٍ في هذا الكون آيةً من آيات الله ؟! لماذا علينا أن نسلّم بجميع ما نُقل إلينا ونعبد الله على حرف ؟! أليس الأجدرُ بنا أن نُحَكّم عقولنا فيما يأتينا فنضربَ بهِ عرض الحائط إذا خالف محكم الكتاب ومنهج العقل السليم أيّاً كانَ مصدرهُ ؟!..  

   إنّ هذهِ الكلمات البسيطة والواضحة لمن رافق النبيّ كظلّهِ وسمع الآيات منهُ وقت نزولها , وكانَ أوّل كاتبٍ للوحي , وأوّل من وضع أسسَ كتابتهِ , تعطينا مبدأً صحيحاً ومنهجاً سليماً لفهم القرآن , يفضحُ كلَّ عصبيّةٍ وجهالةٍ تأبّطها المسلمون بعدَ ذلك الزمن وأرهقونا بها طيلة القرون والأحقاب الماضية ..

   كما نستطيعُ بقليلٍ من الدراسة والتحليل المنطقيّ , أن نتبيّنَ الصورة التي تمّت الكتابة بها قبل عصر القرآن بأبجديّةٍ لم تكتمل , يُستبدل فيها حرفٌ بحرفٍ عند قوم , ويسقطُ منها حرفٌ عندَ آخرين , وما تزال إلى اليوم هذه العادة شائعة بين الناس فمنهم مَن لا يلفظ القاف ويستبدلها ألفا أو غينا أو كافاً أو ما بين بين , ومنهم من لا يلفظ الجيم , وآخرون لا يلفظون الضاد , وعلينا أن لا نهمل تأثير الفرس والإغريق واليونان والرومان الذي بسطوا سيطرتهم على بلداننا أحقاباً طويلاً , فاستبدلوا حروفاً بأخرى يستسيغها لسانهم , وحذفوا وأضافوا ما شاءت لكنتهم , وإذا درسنا محاولة العثمانيين تتريك العرب على الرغم من الإسلام والقرآن ولسانهِ العربيّ المبين , وبرغم التدوين والتوثيق , وما سبّبته هذه السياسة من كوارث على لسان الضاد , فسنكون قادرين على تصوّر تأثير تلك الأمم على بلداننا في تلك العصور , ففقدت الكثير من الكلمات أصلها العربيّ ليحلّ محلّه اللفظ الجديد , وحيث كانت الكتابة في تلك العصور لا تراعي الأحرف الصوتية أو النقاط أو التشكيل , فقد تُرِكَ تقديرُها للسان القوم ولهجتهم , فتمّ تداولها من آخرين على غير ما نُطقت به , وأكملَ المستشرقون رحلة العبث والتزوير حتّى أنكرتنا أسماؤنا وأنكرناها , وسنحاول بمثالٍ بسيط سنأخذه من كتاب الدكتور كمال صليبا ( التوراة جاءت من جزيرة العرب صفحة 227, أن نفهم جانباً مهمّاً من تلك التغريبة الشاقّة وإليكموه :

   ( 3- إنّ القراءة التقليديّة للتكوين 14 : 22 اعتُبِرَت – ولزمن طويل – أنّ منَ المُسلّم بهِ كون (إبرام العبرانيّ) اعترفَ بالقسَم بأنّ إلههُ , وهو يهوه , هو ذاتهُ ءل عليّون , إله ملك ( شاليم ) . والنصّ العبريّ لقسَم إبرام , الذي يقول : ( هرمتي يدي ءل يهوه ءل عليون ) , أُخِذَ عادةً على أنّهُ يعني : ( أقسمتُ – " حرفيّاً : رفعتُ يدي " - لـ يهوه ءل عليون ) , وفي الترجمة العربيّة ومعظم الترجمات الأوروبيّة : ( إلى الربّ الإلهِ العليّ ) , والصحيح أنّ اللفظة العبريّة ( يهوه ) هنا – كما في أماكن أخرى عديدة من التوراة – يجب أن تُقرأ على أنّها صيغة المضارع من فعل (هيه) , أي كان , وبالتالي فإنّ القَسَم يجب أن يُقرأ ليُترجم حرفيّاً : ( أقسمتُ , وءل عليون يكونُ إلهاً ) , أي بالعربيّة : ( أقسمتُ والله هو ءل عليون ) , " ءل يهوه ءل عليون " بما في ذلك من اعتراف علنيّ بألوهيّة ءل عليون كشهادة على صحّة القسم , وفي المزمور 17 : 16 جاءَ ذكر (عليون) , بما لا يقبل الشكّ , على إنّهُ اسم (يهوه) : (( شم يهوه عليون : " اسم يهوه هو عليون )) ..

   من المؤسف جدّاً أن لا ينتبه الدكتور كمال صليبا إلى أنّ ( عليون ) ما هو إلاّ الكتابة اللفظيّة لـ (عليٌّ) , أي أنّه صورة كتابة هذا الاسم قبل وضع النقط والشكل وقد كَتبهُ التوراتيون كما يلفظ تماماً لقدسيتهِ , بينما لم يراعوا ذلك في باقي الأسماء فمثلا ورد اسم كاهن في التوراة : (كهن) , وقيدار : ( قدر) , وآدم : (ءدم) ,  ..

  هذا الاسم الذي عبدت بهِ شعوبنا العربيّة منذ القدم يدلّ على وحدة الحقائق الروحيّة مهما اختلفت الشرائع , فمن ( رسالة بعل العليّ ) في ألواح سومر , إلى ( ءل عليون ) في التوراة , إلى (إيليّا المزمع أن يأتي) في الإنجيل , إلى : ( وإنّه في أمّ الكتابِ لدينا لعليٌّ عظيم ) في القرآن , حقيقة إلهيّة واحدة  نصّت على علوّ الإله المعبود عن كلّ اسمٍ ورسم وصفة وهيئة , وممّا يشير إلى أنّ هذا هو بالضبط المعنى المقصود بهذا اللفظ المشترك هو ورودهُ في ألواح سومر بموقع النصب على الشكل التالي : ( لأنّ عليان بعلٌ حيّ ) , وتحوّل إلى إيليّا في اللفظ الرومانيّ الذي يغيب عنه حرف العين , وهذا أفضل مثال على جنوح الناس بأفهامهم وأفكارهم الخاطئة عن الهدى الإلهيّ المُبين , إلى الوثنيّة والشرك والتجسيم ..

   لن نقفَ كثيراً أمام انبهار المسلمين لا سيّما العرب منهم ببلاغة القرآن ومعجزتهِ الأدبيّة , فإعجابُ المرء بما ينتمي إليهِ أو يعتقدهُ ويؤمن بهِ أمرٌ بديهيّ , وقد يندرجُ في باب التعصّب الأعمى , ولكنّنا سننطلقُ من إعجازهِ العلميّ الذي بهرَ علماء الغرب وخلبَ ألبابهم وصفع جبروتهم خلال القرنين الماضيين , مع بدء الاكتشافات الفلكيّة والعلميّة المذهلة التي توصّلوا إليها تباعاً بأحدث الأجهزة والتقانات المتطوّرة , ليجدوها مطابقةً للحقائق القرآنيّة التي لم ترد في غير القرآن ولا مصدر سابقَ لها , بما لا لبس فيه ولا مكان فيه للصدفة , ولنبدأ مع ما ورد فيه من اعتراض الملائكة على استخلاف آدم في الأرض :

( وإذ قالَ ربّكَ إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتجعلُ فيها من يفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحنُ نقدّس ونسبّحُ بحمدك ) البقرة 30

وجدَ علماء الغرب أنفسهم أمام مشكلة كبيرة مع أساطيرهم التوراتيّة عندما توصّلوا إلى تقنيّةِ تحديد عمر المستحاثّات والأجسام بشكلٍ علميّ دقيق , وعثروا على بقايا هياكل بشريّة لإنسان الكهوف الذي عاش مئات الآلاف من السنين دون أن يترك أثراً يدلّ على وعيهِ وذكائهِ أكثر ممّا تتمتّعُ بهِ وحوش البريّة , لا بل وجدوه أقلّ عزماً ومهارةً وحيلةً في بناء مأواه وتحصيل غذائه وحماية نفسهِ من كثيرٍ من سباع البرّ والبحر وطيور السماء , فأيّ ترّهاتٍ تلك التي تتحدّثُ عن ستّة آلاف عام عمر هذا الكون من بدء الخليقة حتّى قيام الساعة , وأين هو آدم أبو البشر وجنّته وشجرته من إنسان الكهوف المُتوحّش ذاك وعصورهِ المغرقة في القدم ..

  رُبَّما لا يستسيغ البعض اعتبار كلام الملائكة هذا دليلاً على وجود ذلك البشر البدائيّ قبل آدمنا الذي تعلّم الأسماء , وإنّما قد بعتبرونهُ رؤية مستقبليّة للملائكة , والجواب بسيط جدّاً : فالله وحدهُ يعلم الغيب وليس للملائكة أن تعلم ما سيكون عليهِ حال البشر , بدليل أنّ الله علّم آدم ولم يُعلّمهم , ولا أدلّ على جهلهم بهذا الحال أفضل من قوله تعالى لهم : ( ألم أقل لكم أنّني أعلمُ ما لا تعلمون ) ..

   ويتساءلُ علماء الغرب : إذا فما هذه الأيّام الستّة التي خلق فيها الله السموات والأرض قبل أن يخلق آدم , وما هي تلك البضعة آلاف من السنين عمر الكون التي تحدّثت عنها التوراة ؟! ولماذا تعطينا تلك الأجهزة التي بعقولنا اخترعناها , وبأيدينا صنعناها واختبرناها أرقاماً فلكيّة عن عمر الكون ؟! ويجيبهم القرآن :

( يُدبّرُ الأمر منَ السماء إلى الأرض ثمّ يعرجُ إليهِ في يومٍ كانَ مقدارهُ ألفَ سنةٍ ممّا تعدّون ) السجدة /5

( تعرجُ الملـــــــئكةُ والروحُ في يومٍ كانَ مقدارهُ خمسينَ ألفَ سنةٍ ) المعارج /4

   ( oh my god )

كيف لذلك العربيّ الأمّيّ في بطحاء مكّة أن يقولَ أشياء كهذه في ذلك الزمن دونَ أن نجدها عندَ أحدٍ قبلهُ في العالمين ؟! وإذا كانت تلكَ الألف سنة ممّا نعدّ , فعلى أيّ مقياس تكون الخمسون ألف سنةٍ الأخرى ؟! ولماذا لم يذكر أنبياء التوراة شيئاً البتّة عن تلك السنين والمقاييس ؟!..

  تزداد حيرتهم وتزداد تساؤلاتهم حدّةً على صراط الكشف عن الحقيقة , ويزداد عنادهم وتكبّرهم وقد أرادوا أن يُفَصّلوا الكون على مقياس أساطيرهم ليجعلوه ثابتاً وأزليّاً , غير أنّ أجهزتهم تفضحَهم وتصرخُ في وجوههم : هذا مستحيل فالكون في اتساعً دائم ومجرّاتهُ تتباعدُ باستمرار , ويناديهم القرآن من مكانٍ قريب :

(والسماءُ بنيناها بأييدٍ وإنّا لموسعون ) الذاريات/47

  هذا غيضٌ من فيض بينما يزدادُ ذهول علماء الغرب يوماً بعد يوم من دقّة الحقائق العلميّة في القرآن , حتّى لينظروا بعقولهم إلى ما بين أيديهم من أساطير الأوّلين نظرة استهزاء , وقد طالعتهم الآيات القرآنيّة بأدقّ القوانين العلميّة والمكتشفات الفلكيّة , ويستمرّ الإبحار إلى ما لا تنقضي عجائبهُ ولا تنفذ غرائبهُ ..

   انكبّ علماء الغرب على دراسة آياتِ القرآن وفهموها كما لم يفهمها أحدٌ منَ المسلمين حتّى المُتحرّرين منهم , وبالإضافة إلى الآثار والكنوز التي استولى عليها المستعمرون من بلداننا فقد سطوا على مخطوطات نادرة وثمينة , وللأسف لم يتبقَّ منها إلاّ النسخ المحفوظة في متاحف الغرب ومكتباتهِ , وبعضها غير مُتاح إلاّ وفقَ شروطه وإرادتهِ , وقد نقل إليّ أحد الأصدقاء , الذين درسوا وعملوا في أوروبا , طرفاً من حوارٍ دارَ بينه وبين عالمٍ فرنسيّ , حول دعاء الإمام السجّاد علي زين العابدين إذ يقول : ( سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور , سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء , سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ) , فقد أورد صديقي هذا الدعاء كدليل على أنّ العقل العربيّ كان يرى الحقائق العلميّة الحديثة منذ ألف وأربعمائة عام , ففاجأه العالم الفرنسيّ بأحاديث ونصوص أوردها عن الإمام السجّاد لم يسمع بها صديقي ولم يقرأها في كتابٍ من قبل , رغم سعة اطلاعهِ , ومنها كلاماً لهُ يجيب فيه سائلاً يسأله عن عمر الدنيا فيقول : ( مائة ألف ألف كَور , وكلّ كَور منها مائة ألف ألف دَور , وكلّ دَور منها مائة ألف ألف جَور , وكلّ جَور منها مائة ألف ألف سنة , وكلّ سنة منها مائة ألف ألف شهر وكلّ شهر منها مائة ألف ألف يوم , وكلّ يوم منها خمسينَ ألف سنة من سنينك هذه ) , وحين ألحّ صديقنا عليهِ لإطلاعهِ على المصدر الذي استقى منه هذا الحديث , أراهُ صوراً لبضعة صفحات من مخطوطةٍ عربيّة قديمة قال إنّها موجودةٌ بمتحف اللوفر في قسمٍ خاص , ولم يخفِ العالم الفرنسيّ ذهولهِ الشديد من ذكاء وموهبة ذلك الفتى , الذي كان الناجي الوحيد من الذكور في مجزرة كربلاء , ويميل إلى اعتبارها نوعاً من الإلهام الشعريّ والمعرفيّ الذي يتمتّع به الأدباء والعلماء العباقرة , سيّما إذا تعرّضوا لمثل هذه المواقف والامتحانات الصعبة , ويُشَبّهُ عبقريّةَ الإمامِ السجّاد بعبقريّة لافوازيه وديكارت ودافنشي وفولتير ..

  هذا ليس خيالاً علميّا , ولا شطحاً عصبيّاً , وإنّما حدثاً وحواراً واقعيّاً , يعكسُ حقائق لا سبيل لإنكارها أو تجاوزها , ولا مناص للعاقل من فهم تلك الوقائع وإدراكها بشكلٍ صحيح , إذا أراد أن يرضي ملكاته العقليّة , وليس ذهول الغرب من الغنى العلميّ والمعرفيّ للعرب في تلك العصور , بأعظم من ذهولهم من جهلنا وتخلفنا اليوم , ومن قدرتهم على إبقائنا في هذا المستنقع النتن , على الرغم ممّا لدينا وبينَ أيدينا من وسائل وثروات وإمكانات هائلة , ولا ريب أنّ دود الخلّ منهُ وفيه ..

اوقات الشام

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع زنوبيا الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
أكتب الرقم : *